أجمع العلماء على تحريم اليأس والقنوط، ومن اليأس والقنوط ما يخرج من الملة وهو ما انعدم معه الرجاء، ومنه مالا يخرج من الملة وإنما هو من الكبائر.
وهما عموماً من أكبر الكبائر بل أشد تحريما من الكبائر الظاهرة كالزنا وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب (?).
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله) (?).
وقال العدوي: (الإياس من الكبائر) (?).
ما يباح من اليأس:
اليأس ليس مذموما في كل الأحوال بل قد يتطلب في بعض المواضع منها:
- اليأس مما في أيدي الناس:
لحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا: ((إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ولا تكلم بكلام تعتذر منه واجمع الإياس مما في أيدي الناس)) (?).
قال الملا علي القاري: (وأجمع الإياس: المعنى اعزم على قطع اليأس أو أجمع خاطرك على قصد اليأس وترك الطمع مما في أيدي الناس أي قناعة بالكفاية المقدرة بالقسمة المحررة المقررة. في قوله تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الزخرف: 32] إلى أن قال: وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف: 35] وفي الحديث إشارة إلى أن الاستئناس بالناس من علامة الإفلاس، وأن الغنى القلبي هو الإياس مما بأيدي الناس) (?).
قال ابن رجب: (كان عمر- رضي الله عنه- يقول في خطبته على المنبر: إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه) (?).
واليأس مما في أيدي الناس شرط لتحقيق الإخلاص قال ابن القيم: (لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص) (?).
- ذكر نصوص الوعيد والعذاب لمن غلب رجاؤه وانهمك في المعاصي:
قال البخاري: (كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل لم تقنط الناس، قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس، والله عز وجل يقول: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] ويقول وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر: 43] ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرا بالنار من عصاه) (?).