قال ابن كثير: (وقوله: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 49]. وهو الولي الحميد أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله) (?).

وقال تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ [فصلت: 49].

قال الطبري: (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه) (?).

ذم اليأس والقنوط في السنة النبوية:

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ الله خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند الله من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند الله من العذاب لم يأمن من النّار)) (?).

- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك -أخطأ من شدة الفرح)) (?).

قال ابن حجر: (المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت فمن الله عليه برد ضالته) (?).

- وعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنّ رجلا حضره الموت، فلمّا يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبا كثيرا وأوقدوا فيه نارا، حتّى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ثمّ انظروا يوما راحا فاذروه في اليمّ، ففعلوا. فجمعه الله فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك، فغفر الله له)) (?).

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد)) (?).

قال بدر الدين العيني: (لم ييأس من الجنة من اليأس وهو القنوط .. - وقوله - (لم ييئس من الجنة) قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة) (?).

- وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: ((إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله)) (?).

- وعن فضالة بن عبيد- رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله- عز وجل- رداءه فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله، والقنوط من رحمة الله)) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015