وقال الشافعي: يجوز أن ينفل بعد إحراز الغنيمة على وجه الاجتهاد.

وقال الطحاوي: فأما التنفيل في البداءة قبل القتال فمما قد عمل به المسلمون، وما كان منه في القفول فإنه يحتمل أن يكون في الحال التي كانت الغنائم كلها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بغير خمس كان فيها. كما روي عن ابن عباس أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال يوم بدر: من فعل كذا فله كذا. فلما كانت الغنيمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا، فإنا كنا تحت الرايات، ولو انهزمتم كنا ردءًا لكم، فأنزل اللَّه -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ. . .} الآية، فقسم بينهم بالسوية.

ففي هذا الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قسمها بينهم بغير خمس أخرجه منها، وقد كان له أن لا يقسم منها شيئًا، فيحتمل أن يكون حديث ابن مسلمة في الحال التي كانت القسمة فيها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلا حجة فيه.

فإن قيل: ذكر في حديث حبيب الربع والثلث بعد الخمس، وذلك بعد الحال التي كانت الغنائم كلها لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قيل له: لا دليل فيه على ما ذكرت؛ لأنه لم يذكر أنه الخمس الذي يستحقه أهل الخمس، وجائز أن يكون ذلك على خمس الغنيمة، لا فرق بينه وبين الثلث والنصف، وقد روي عن ابن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث سرية فيها ابن عمر، فغنموا غنائم كثيرة، فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر بعيرًا، ونفل كل إنسان منهم بعيرًا بعيرًا، فذكر السهمان للجيش، وأخبر أن النفل جار من غير نصيب الجيش (?).

وسبب هذا الاختلاف ما ظنه البعض من تعارض بين الآيتين الواردتين في المغانم، فمن رأى أن قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}. ناسخًا لقوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ. . .} قال: لا نفل إلا من الخمس، أو من خمس الخمس. ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما، وأنها على التخيير، أعني: أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء، وله ألا ينفل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015