1- عبد الله سعد بن أبي سرح وفتح إفريقية للمرة الأولى "27-29هـ":
وقد واصل عبد الله بن سعد بن أبي سرح -رضي الله عنه -والي مصر الجديد- السياسة العسكرية التي انتهجها عمرو بن العاص بعد فتح طرابلس، فأخذ يرسل جماعات الخيالة في شكل سرايا، للإغارة على أطراف إفريقية. وكان من أغراض هذه السرايا الاستكشاف، ورصد المتغيرات على حدود مصر الغربية، ومراقبة القوى البيزنطية المعادية1.
ونظرا للنجاح الذي حققه هذه الحملات الاستكشافية فكر ابن أبي سرح في القيام بحملة حقيقية لفتح "إفريقية". وبدأ باستشارة الخليفة عثمان، "وكتب إليه يخبره بقربهم "أي قرب الروم" من حز المسلمين ويستأذن في غزوها"2. وكان عثمان -رضي الله عنه- هو الآخر يخشى على المسلمين من التوغل في تلك المناطق البعيدة المترامية، إذ يشير البلاذري في "فتوح البلدان" إلى أنه كان "متوقفا في غزوها"3 ثم إنه وافق على الغزو بعد أن استشار كبار الصحابة وأصحاب الرأي4، وأخذ يدعو الناس إلى الجهاد، ويحثهم على التطوع، فتقاطروا من مختلف القبائل للاشتراك في هذه الغزوة، وأعان هو الجيش بألف بعير من ماله، يحمل عليها ضعفاء الناس -أي فقراؤهم- وفتح خزائن السلاح، وأمر للناس بأعطياتهم وأمدهم بالخيل، فلما اكتمل الجيش في الجرف "على مقربة من المدينة"، قام فيها خطيبا، ورغبهم في الجهاد، ثم قال لهم: "لقد عهدت إلى عبد الله بن سعد "بن أبي سرح" أن يحسن صحبتكم ويرفق بكم، وقد استعملت عليكم الحارب بن الحكم5 إلى أن تقدموا على ابن أبي سرح، فيكون الأمر له"6. وكان ذلك في المحرم من "سنة 27هـ/ 647-648م".