التفكير في فتح "إفريقية" في آخر خلافة عمر بن الخطاب:
بهذا يكون عمرو بن العاص قد نجح في تأمين الحدود الغربية لمصر الإسلامية، وفتح البلاد الليبية الحالية دون عقبات كبيرة. وبعد أن تم له ذلك أخذ يستعد لفتح "إفريقية" "البلاد التونسية"، ولكنه قبل أن يفعل رأى استئذان الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وكتب إليه يقول: "إن الله فتح علينا إطرابلس، وليس بينها وبين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها، ويفتحها الله على يديه فعل". فرد الخليفة -رافضا فكرة الغزو- فقال: "لا، إنها ليست بإفريقية، ولكنها المفرقة، غادرة، مغدور بها، لا يغزوها أحد ما بقيت"1.
والسؤال: لماذا لم يسمح عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لقائده عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بمواصلة الجهاد في هذه المنطقة، وهو الذي دفع بالمسلمين إلى الجهاد في ميادين شتى، وتم على يديه انهيار أكبر امبراطوريتين هما فارس والروم؟
لقد فسر الباحثون هذا الرفض بعدة تفسيرات، يمكن دمجها في سببين اثنين:
الأول: ما تعبر عنه مقالة عمر المذكورة؛ من أنه كان على علم بمجريات الأمور في "إفريقية"، وأنها ليست مأمونة الجوانب، ولا ميسورة الفتح، ولا قريبة الطاعة، وكان محيطا بثورات أهلها ونكثهم بالعهود، ومن هنا خشي على جيوش المسلمين من أن تنساب وتتبعثر في هذه المناطق الشاسعة، وهي لم تزل بعد في حاجة إلى توطيد نفوذها وسلطانها في البلاد التي تم فتحها2. وهذا الموقف متسق مع إحساس الخليفة بالمسئولية، ومتفق ومجريات الأحداث؛ فما زالت مصر حديثة عهد بالفتح، وخط الإمدادات سيطول، وربما تعرض في فترة أو أخرى لخطر القطع أو التأخر3.