وأما عمرو بن العاص فقد واصل المسير بحذاء الساحل، قاصدا "طرابلس" -وكانت هي الأخرى تابعة لمصر من الناحية الإدارية- فوصل إليها "سنة 22هـ/ 643م"، "وحاصرها شهرا لا يقدر منهم على شيء"، كما يقول ابن عبد الحكم1 وقد كان لطرابلس أسوارها التي تحيط بها إلا من جهة البحر، وكان حصار عمرو لها من ناحية البر فقط، ولم يؤثر هذا في المدينة أثرا ذا بال لخلو جهة البحر من الحصار ولم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد أن نجحت إحدى سرايا الاستطلاع من التسلل إلى داخلها من الجهة المطلة على البحر، وتم تحقيق مفاجأة عسكرية جيدة ضد البيزنطيين الذين لم يجدوا فرصة لتنظيم المقاومة، بل هرب من استطاع منهم إلى سفنهم، تاركين وراءهم مغانم كثيرة2.
وبمجرد استيلاء عمرو بن العاص على طرابلس سير قوة كبيرة من فرسانه، وأمرهم بالإسراع نحو مدينة "سبرت" "Sabrata"، وهي آخر مدن الإقليم الساحلية الهامة في اتجاه الحدود التونسية. ويصف ابن عبد الحكم فتح هذه المدينة بقوله: "وكان من بـ "سبرت" متحصنين ... فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة طرابلس، وأنه لم يصنع فيهم شيئا، ولا طاقة له بهم أمنوا، فلما ظفر عمرو بن العاص بمدينة طرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته، وأمرهم بسرعة السير، فصبحت خيله مدينة "سبرت"، وقد غفلوا وقد فتحوا أبوابهم لتسرح ماشيتهم، فدخلوها "أي المسلمون"، فلم ينج منهم أحد "أي من أهلها"، واحتوى عمرو على ما فيها"3.
وفي أثناء حصار عمرو بن العاص لمدينة طرابلس أرسل قائده "بسر بن أرطأة" إلى ميدنة "ودان" في قلب إقليم "فزان"، وتقع جنوب طرابلس على بعد "800 كم" في الصحراء، فافتتحها "سنة 23هـ/ 643م"4 "راجع الخريطة.