عمرو"، نجد أمامنا جماعتين من المعتزلة تتشكلان فى البصرة وبغداد فيما بين نهاية القرن الثانى هـ/ الثامن م وبداية القرن الرابع هـ/ العاشر م. وقد تبنت كل من الجماعتين نزعات متباينة، لكن تَصْدُق على كل منهما تسمية "مذهب".

ولعلنا نتفق مع "مونتجومرى وات W. Montgomery Watt" فيما ذهب إليه فى كتابه " Free will and Predestination in صلى الله عليه وسلمarly Islam" من أن "أبا الهُذيل العَلاف" - المتوفى حوالى عام 227 هـ/ 841 م- هو مؤسس مذهب البصرة، وأيضا (وإلى حد ما) مؤسس "المعتزلة العقائدية" ذاتها. ويتمثل أعلام هذا المذهب فى "معمر" و"النظّام" -وكلاهما لم يتورع عن انتقاد العلاف- وكذلك الكاتب المبرز "الجاحظ"، و"الجبائى" وابنه "أبو هاشم" المتوفى عام 321 هـ/ 933 م. وقد قام فقهاء البصرة -فى إطار معالجهتم لمستجدات مسائل العقيدة- بتقديم حلول إبداعية فى ميدان الفلسفة الطبيعية والعلوم العقلية مثل "نظرية الأجزاء" لأبى الهذيل و"مذهب الأحوال" شبه التصورى لأبى هاشم.

أما المذهب البغدادى فربما كان أقل بروزا من المذهب البصرى، وقد استمد أفكاره "بشر بن المعتمر"، المتوفى بين عامى 210 - 226 هـ/ 825 - 840 م. والذى تعرض للسجن لبعض الوقت بأمر هارون الرشيد؛ وكان بشر هدفا لانتقاد أبى الهذيل، وقد تأثر به "معمر" وقد حظيت المجموعة المنتمية لهذا المذهب ببعض الشهرة على أيدى رجال مثل "المُردار"، و"ثُمامة" و"الخياط"، و"الكعبى" المتوفى عام 319 هـ/ 931 م.

والمعتزلة كما قال عنهم "أحمد أمين" فى كتابه "ضحى الإسلام" كانوا رجال دين فى المقام الأول وفلاسفة فى المقام الثانى. والسمة المميزة للمتكلمين لا تتمثل فى نظرية الأجزاء (أو النظرية الذرية atomic theory) أو فى نظرية الأحوال؛ بل تتمثل فى اهتمامهم الأساسى بالضلوع فى النزاعات والمناظرات من أجل حماية العقيدة من زنادقة ذلك العصر، وهم مدّعو التحرر الفكرى الذين استمدوا أفكارهم من المزدكية أو المانوية، أو من العقلانية اليونانية فى فترة زمنية لاحقه. ومع أن الاختلافات العقائدية الطفيفة -والتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015