كان من شأنها أن تتشعب فيما بعد وعلى ذلك فسوف نتناول أتباع -نحلة الجَهْمية الذين يعتبرون أن "جهم بن صفوان" (الذى أعلم عام 128 هـ/ 746 م) هو مؤسس تلك النحلة، والذين لم تعرف ماهية عقائدهم إلا من خلال مناقضات خصومهم. وقصارى القول فيهم أنهم فيما يتعلق بمسألة القدر يقفون فى صف الجبرية، وفيما يتعلق بمسألة الإيمان يقفون فى صف المرُجئة وفيما عدا ذلك فهم قد رفضوا الاعتراف بأى وجود مستقل للصفات الإلهية، يفصلها عن الذات الإلهية وهو ما عرف بـ "التعطيل"؛ مستهدفين من ذلك صون كمالها ووحدانيتها المطلقة وفى نهاية المطاف أيد الجهمية فكرة "مخلوقية القرآن الكريم" وقدموا تفسيرات مجازية للآيات الدالة على التجسيم (خلع صفات الجسم البشرى على الذات الإلهية). ومن ثم نشأ نوع من البلبلة بينهم وبين المعتزلة (كما هو الحال فى مسألة "ضرار بن عمرو" مثلا)، وناوأهم هؤلاء من جراء مغالاتهم فى التعطيل ومن جراء رفضهم لفكرة "الاختيار" أى حرية الإنسان فى التصرف.
(فيما يتعلق بأصل التسمية والتفاصيل الخاصة بالتطور التاريخى لذلك المذهب ومعتقداته) كان المعتزلة الأوائل معاصرين لمختلف النزعات والفئات التى استعرضناها أعلاه، مما يجعل من المتعذر أحيانا بل وربما من غير المجدى أن نميز بينهم وبين القدرية.
إلا أنه بعد عام 132 هـ/ 750 م -حين كان الحكم العباسى آخذا فى توطيد دعائمه فى بغداد- فقدت المناقشات الخاصة بصلاحية الإمامة موضوعيتها وحل محلها الدفاع عن العقائد الدينية بصفة عامة فى وجه هجمات الزنادقة من كل نوع.
وفى ذلك الوقت صارت المواقف العقائدية محددة ومنظمة إلى الحد الذى يمكننا معه الحديث عن مذهب منتظم (أو بالأحرى مذاهب منتظمة)، له مصطلحاته الخاصة وأساليبه فى المحاجاة التى تأثرت بالعلم والفلسفة اليونانيتين من جراء الترجمة عنهما.
وبعد المؤسسين "واصل بن عطاء" و"عمرو بن عبيد" والرائد "ضرار بن