وبعد ذلك صار الإسلام فى حالة دفاع؛ واستغلت الجيوش البيزنطية نقاط الضعف فى سوريا وبلاد ما بين النهرين، على حين دخل الغزاة الخزر الأراضى الإسلامية فى القوقاز وأرمينيا. . وربما يكون أخطر عوامل الضعف هو التصدع والاضطراب الداخلى الغامض الذى وصل إلى ذروته بالإطاحة بالبرامكة وتولى هارون الرشيد مقاليد السلطة والإمساك بها بيدين ليستا على درجة كبيرة من الكفاءة؛ وقد هزت هذه الخطوة التحالف مع الجناح الأرستقراطى الفارسى للحركة التى جاءت بهم إلى السلطة والتى حافظ عليها العباسيون الأوائل لفترة طويلة بعد أن عزلوا العناصر الأكثر تطرفا. . وبعد موت هارون الرشيد تفجرت الصراعات الكامنة وتحولت إلى حرب أهلية بين ولديه الأمين والمأمون. وكانت قوة الأمين تكمن أساسا فى العاصمة وفى العراق. . أما قوة المأمون فكانت فى فارس وقد قيل إن الحرب الأهلية صراع قومى بين العرب والفرس، انتهى بانتصار الفرس. . وقد اقترح المأمون -معتمدا على التأييد الذى يأتيه من الشرق- أن تنتقل العاصمة من بغداد إلى "مرو"، ولكنه وبعد انتصاره، قرر فى تعقل أن يعود إلى بغداد وبعد ذلك وجدت الطموحات الإقليمية والأرستقراطية لدى الفرس منفذا لها فى الأسر المحلية ففى عام 205 هـ/ 820 م استقل "طاهر" القائد الفارسى لدى المأمون بخراسان وأسس أسرة حاكمة. وتبعه آخرون؛ وعلى حين كان معظمهم يعترف بالسيادة للخلفاء، إلا أنهم حرموهم من كل سلطة فعلية فى معظم فارس.
وإذا كانت سلطة الخلفاء فى الأقاليم قد تقلصت بالتدريج لتصل إلى حد منح تقليد السلطة للحكام الفعليين، فإن سلطتهم قد تضاءلت فى العراق أيضا فالبلاط الذى يسرف فى بذخ شديد، والبيروقراطية المتضخمة قد أديا إلى اضطرابات مالية مزمنة، ضاعف منها ومن خطرها افتقاد الموارد المالية من الأقاليم، وكذلك سقوط مناجم الذهب والفضة فى أيدى الغزاة أو استنفاد طاقتها. وقد وجد الخلفاء العلاج فى