الرابطة التى ضعفت للقومية العربية- ركزوا على الآراء الإسلامية السديدة القويمة، حتى للتحم الدولة فى وحدة تقوم على العقيدة المشتركة وعلى الأسلوب المشترك فى الحياة، وانتهج المنصور سياسة محددة ومدروسة بالتودد إلى رجال الدين ذوى الرأى المستقيم، وإلى أصحاب الفكر، والتركيز على العنصر الدينى فى طبيعة السلطة التى يمارسها الخليفة، وقد أدت هذه السياسة -بمقارنتها بحياة الترف والانغماس فى الملذات من جانب كثيرين من الخلفاء ورجال البلاط- إلى أن تتهم بالنفاق ولكنها نجحت فى تحقيق هدفها فقد أعيد بناء مكة والمدينة، وانتظمت رحلات الحج من العراق.
ويعتبر عصر هارون الرشيد فى الغالب الأعم ذروة السلطة والنفوذ العباسى؛ ولكننا نرى النذر الأولى للانهيار فى هذا الوقت، فقد أصبحت سلسلة الثورات الدينية فى فارس والتى أعقبت موت أبى مسلم أكثر خطورة، بل تحدت السلطة العباسية فى أقاليم بحر الخزر (قزوين) وكذلك فى خراسان.
أما فى الغرب فكادت تختفى تماما سلطة العباسيين؛ فقد رفضت أسبانيا الخضوع للعباسيين وأصبحت مستقلة فى ظل أمير أموى منذ عام 138 هـ/ 756 م. وبعد موت يزيد بن حاتم آخر الولاة العباسيين ذوى النفوذ فى شمال أفريقيا، بدأت تظهر الأسر المستقلة فى عام 170 هـ/ 787 م، فى المغرب فى أول الأمر، وبعد ذلك فى تونس. ولم تتأكد بعد ذلك أبدا سلطة العباسيين فى المناطق التى تقع إلى الغرب من مصر. فالأغالبة فى تونس مارسوا الحكم المستقل المتوارث تحت السيادة الاسمية للخليفة، ووضعوا الأساس والنموذج لعديد من نظم الحكم المحلية المتوارثة الأمر الذى هبط بالسيادة الفعلية للخليفة إلى منطقة لا تتعدى وسط العراق وجنوبه؛ وظهرت بوادر خطر أخرى كشفت عن ضعف دفاعات الدولة، ففى عهد العباسيين كانت حدود الإسلام مستقرة. والحروب الخارجية الوحيدة ذات الأهمية هى ما تجرى مع البيزنطيين، وغير ذات فعالية. وكانت حملات هارون الرشيد غير الحاسمة هى آخر الهجمات الكبيرة ضد بيزنطة؛