التخفيف. ذلك أنه على سبيل المثال قد أصر على الأخذ بظاهر اللفظ فيما ورد بآيات القرآن وعبارات الحديث خاصًا بالكفار إلى حد التشدد الذى لا يعرف هوادة ولا سماحة.

ثم إن الظاهرية لم يستطع -من حيث العمل- تطبيقها تطبيقًا منهجيًا، لأنها حرمت البحث العقلى فى أى حكم ولم تسمح بأن يمتد الحكم بالقياس إلى حالة مماثلة، أو أن ينتقل الحكم من الخاص إلى العام، وأنكرت إنكار، مطلقًا تخفيف الكلمات الواردة فى مصادر الشريعة على ضوء نظائرها التى استعملها الشعراء الوثنيون، وأرادت أن تقيم الفقه الصحيح للحديث بالاستعانة بنصوص خاصة من فقه اللغة الإسلامى. وقد بدا لها أن مذهب مالك يقوم على الرأى مثله مثل مذهب أبى حنيفة، ورأت أن الشافعى، الذى خرجت هى منه، إنما نظم قواعد الرأى ولم يبطله، وأن الإجماع لا يمكن أن يقال فيه إلا أنه إجماع الصحابة الأولين وحسب. وهى لم تفطن إلى مراتب النواهى والأوامر. فالأوامر التى فسرتها المذاهب الأخرى فى بعض الأحيان بأنها مجرد رخصة أو أمر مستحب أو نهى بسيط نجدها عند الظاهرية إما واجبة وجوبًا مطلقًا أو محرمة تحريمًا مطلقًا. وكان من الطبيعى أن تأخذ بحشد من الأحاديث كما أنه قد وجه إليها النقد بأنها لم تكن تعنى بتمحيص ما تأخذ العناية الدقيقة. على أنها لم تر بدا من نقد الحديث منكرة كثيرًا من الأحاديث المناصرة للرأى التى كانت تلقى القبول، ومنكرة الأحاديث المشهورة التى تقول إن الاختلاف رحمة، ذلك أنها رأت فى هذه الأحاديث أثر، سيئ للأساليب الشخصية التى كانت متبعة، وكانت ترى فى نفسها حيال ذلك أنها النصير للوحدة التى افتقر إليها الإسلام فى عهده الأول. ولم تبلغ الظاهرية فى الشريعة الوحدة على الرغم من الجهود التى بذلها ابن حزم. وهذا المذهب يلتزم على العموم موقف الحيدة التى تقوم على الحرص ثم الترفع عن المنازعات الشرعية، وهو يسلم بالأقوال التى وصف بها اللَّه من غير تفسير تمشيًا مع احترامه لظاهر اللفظ فى القرآن والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015