المدينة، ذلك أن المدينة كانت فى أول الأمر مقر الخليفة، ثم أصبحت من بعد أيام الأمويين مقر والى الحجاز، وفى ظله جرت الحال بأن تصبح بلدًا من البلاد التابعة لولاية من الولايات. وقد وقف أهل الطائف أول الأمر دون اضمحلال بلدهم بفضل إقدامهم وشجاعتهم، فنجحوا فى أن يبقوا على مكانة جبالهم ذات الجو المنعش منتجعا لا لأهل مكة فحسب بل لطبقة الأشراف المسلمين الجديدة فى المدينة. ثم هم قد قدموا فى عهد الأمويين شاهدا آخر على قدرتهم على التكيف بالظروف الجديدة. وقد اقترن التدهور الاقتصادى للطائف وفقدانها لاستقلالها الذاتى ببلوغ الثقفيين أوج سلطانهم السياسى، فقد استطاعوا أن يزجوا بأنفسهم فى المناصب الكبرى وأظهروا ما فطروا عليه من مواهب مختلفة أشد الاختلاف. ذلك أننا ألفنا منذ عهد معاوية أن نجد عمالا من الثقفيين يحيطون بالخليفة، بل لقد كدنا وزياد ابن أبيه فى أوج سلطانه أن نتوقع إلى حين أن يتولى هؤلاء الثقفيون عرش الخلافة. ولما بلغت الإمبراطورية العربية فى أيام الوليد بن عبد الملك غاية ازدهارها، لم يكن أكبر رجل فى هذا العهد هو الخليفة القرشى بل كان هو الحجاج الثقفى. وكان الثقفيون جميعًا قادرين على استغلال علاقاتهم التاريخية، والصداقة التى كانت تربط الطائف بمكة، وصلاتهم بأكبر الأسر القرشية وخاصة الأمويين. وقد تبينوا فى الماضى دليلا يهديهم إلى الاتجاه الصحيح الذى يسلكونه فى نشاطهم السياسى.
وقد عنى العباسيون والعلويون بهذا الأمر ووضعوه نصب عيونهم لا ينسونه. وتسجل الروايات كراهيتهم للثقفيين وكيف ربطوا بينهم وبين المآخذ التى كان يلام عليها الأمويون، ثم هم قد صوروهم باللعنة، استنادًا إلى ما وقع فى كربلاء وما مُنَى به العلويون من فشل فى استرجاع عرش الخلافة، وقد مثلت فى أذهان العباسيين كراهيتهم للاضطرابات السياسية التى وقعت فى العراق فتأثروا بذلك تأثرًا وجد له متنفسا فيما أحسوا به من