وقد نسب البدو ما عرف عن أهل الطائف من دهاء وكياسة إلى اعتيادهم العيش على الحنطة حتى غدا ذلك مضرب الأمثال. وكان بين أهل الطائف وأهل مكة نوع من الاتفاق الودى، وهو اتفاق وثقت عراه روابط المصاهرة بين قريش والأحلاف. وقد رأينا أن كثيرًا من أهل مكة كانوا يعيشون فى الطائف وكانت لهم ضياع فيها. وكان من يقيمون من أهل الطائف فى مكة لا يكادون يقلون عن أولئك، يعيشون فيها أحلافا لأسرها الكبيرة وخاصة الأمويين الذين كان لهم أصحاب ضياع فى إقليم الطائف. وهذا يفسر الشأن الكبير الذى كان لبنى ثقيف فى خلافة الأمويين.

ومن ثم كان مركز الطائف، عشية الهجرة، فريدا بين بلدان الحجاز، وذلك أن جوها المنعش، وفاكهتها وأعنابها، وزبيبها المشهور وغير ذلك من المحاصيل التى تغلها أرضها، كل أولئك كان يجعلها أقرب إلى الشام من أراضى غربى بلاد العرب القاحلة الجرداء. أما من ناحية التقدم العقلى، فإن أهل الطائف فيما يظهر كانوا يعتزون بأنهم يبزون البدو والقبائل المقيمة. وهذا هو الذى خلص إليه الموسوعى الفطن: الجاحظ بالثناء على أهل الطائف فى ختام حديثه عن الحجاج الثقفى. وقد فكر محمد عليه الصلاة والسلام بعد ما لقيته رسالته فى مكة فى أن يجتذب لدعوته أهل الطائف الذين عرفوا بالذكاء. ولكنه لم يوفق فى ذلك فلم يجد بدًا من أن ينصرف إلى الأنصار. وقد استعانت قريش فى حروبها مع النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] بأحلاف الطائف. فلما فتحت مكة سنة ثمان للهجرة بعيد هزيمة هوازن فى حنين حاصر النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] الطائف. ولم يحدث إلا فى سنة من السنين التالية أن أقبل على النبى [-صلى اللَّه عليه وسلم-] وفد من أهل الطائف ليبحث فى المدينة بالتفصيل أمر دخول أهل هذا البلد فى الدين [الإسلامى] الذى اعتنقوه.

ولم يستفد أهل الطائف بعد من انتشار الإسلام خارج حدود جزيرة العرب أكثر مما استفاد أهل مكة، فقد اضمحلت مكة على حين ازدهرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015