الحجاز، وينسبون هذه العجيبة إلى شفاعة إبراهيم حبيب اللَّه الذى لا ترد له شفاعة. وهذا الموقع الذى تصح فيه الأبدان وتشتد فيه الريح حتى تتجمد مياهه أحيانا، كان فيه ما يجذب أنظار تجار مكة الأثرياء، فتصبو نفوسهم إلى امتلاك ضيعة فيه أو قل مقاما يخفف عنهم ما يعانون من [القيظ فيما سواها] الذى يصيب المرء بالخمول، وقد درج أحفادهم على ذلك فيما بعد.
وكانت الطائف حاضرة قبيلة ثقيف؛ وتقرن عبارة القرآن الكريم (سورة الزخرف، الآية 31) مكة بالطائف (القريتين)، ويوحى هذا بوجود صلة ذات شأن بينهما، ولم تذكر الطائف فى غير ذلك من آيات القرآن الكريم. على أنه يجوز لنا أن نقول إنها كانت عشية الهجرة تعد ثانى مدائن بلاد العرب الغربية وتلى مكة، بل تفوقها من ناحية ما فيها من أراض خصيبة. ذلك أن الوديان التى تلتف بها كانت تزود تجارة الصادرات التى تخرج منها بسلع وافرة ميسورة التسويق بخاصة فى إقليم كالحجاز حرمته الطبيعة أسباب الزاد، وهذه السلع الحنطة والأخشاب. وكانت الصناعة التى تشتهر بها الطائف هى الجلود تعالج فى مدابغها الكثيرة العدد مما جعل جوها فيما روى كريها. وكان يحيط بها حزام من الأسوار أقيمت لتلقى عدة الحرب. وكانت الجمال، سفائن الصحراء عند مدخل ذلك البحر من الرمال ومخرجه، تمد فى الطائف بالمؤن من غلات أرضها المختلفات وبالأحمال من زاد صناعتها. والظاهر أن الطائف كانت تربطها باليمن خاصة علاقات وثيقة، إذ كانت توفر ثلاث مراحل أو أربعا للمسافر إلى اليمن يسلكها إذا هو اتخذ طريق مكة. وكان أهل الطائف ينقسمون فريقين كبيرين.
وكان الأحلاف، أحدث الفريقين عهدًا وأقلهما أخذا بأسباب الارستقراطية، وقد أحس هؤلاء بأنهم دون منافسيهم بنى مالك فى الثراء وامتلاك الأرض فسعوا إلى تعويض نقصهم بالبراعة الفائقة فى سياسة الأمور والتنظيم الحربى الجاد. وقد خرج أعظم شعراء الطائف وأكثر شيوخها هيبة من الأحلاف.