والذى يخلصنا من هذا التناقض هو القول الذى يسلم به الناس بعامة من إمكان التزود بلمحة عن المستقبل بفضل الكرامات والسحر وما إلى ذلك وبفضل الشيوخ من أهل التقى والورع. وهكذا يصبح سيف، كأبيه ذى يزن من قبله، مؤمنًا بحقيقة الإسلام قبل مجئ محمد عليه الصلاة والسلام، ويجذبه الدين الجديد إليه. ثم يحل الإسلام محل العداوة القائمة على الاختلاف فى الجنس، وذلك فى نضال سيف الذى انصب فى جوهره على الأحباش والكفار، وراح سيف ينشر هذا الدين بعد السيف فى تجوله الكثير وغاراته العديدة فى بلاد الإنس والجن مستعينًا فى كثير من الأحيان بعضد من الأرواح. ولما كان محمد عليه الصلاة والسلام لم يظهر بعد، فقد حل محله فى الدعوة إبراهيم خليل اللَّه. ومن ثم لم تعد الغارات تشن تحقيقا لأطماع سيف والعرب، وإنما كانت تشن للدعوة إلى وحدانية اللَّه واتخاذه إبراهيم خليلا. وما إن يستجيب هؤلاء الأعداء إلى هذا المطلب بترديد الشهادة حتى يقبلوا فى الجماعة الإسلامية. وكذلك نجد أثر القول بتفوق الجنس السامى على الجنس الحامى، باقيًا بطبيعة الحال لم تذهب ربحه. لقد كان عرب الجنوب بخاصة، ويتمثل فيهم الأجداد المزعومون للمسلمين المتأخرين فى مصر، هم الذين اضطلعوا بذلك العمل الشريف وهو تمهيد الطريق لخاتم الأنبياء وخيرهم، أما الأحباش والزنوج فقد ظلوا على وثنيتهم فكانوا بذلك غير أهل للإسلام، أو اعتنقوا الإسلام فكان لهم فى هذه الحركة الدينية شأن سلبى أكثر منه إيجابى. ومما هو جدير بالتنويه أيضًا أنه لم يرد فى السيرة كلها أقل إشارة إلى أخذ الأحباش بالنصرانية، فقد نسب إليهم عبادة زحل، على حين ردّت سائر الديانات غير الإسلامية إلى عبادة النار والأصنام والحكام المتألهين، والحيوانات المختلفة (الكبش، والنعامة، والأبقار، والحشرات، والدجاجة). ولعل كثيرًا من هذه الأفكار قد نشأت فى خيال القصّاص الجامح الذى لا يعرف حدا. ولم يستغرق انتشار الإسلام مادة السيرة كلها، ذلك أن التاريخ الدنيوى قد استهوى العامة