الخامس عشر الميلادى تقريبًا، ومهما يكن من أمرها فإنها لا ترجع إلى ما قبل نهاية القرن الرابع عشر. وتتفق المعلومات التى لدينا، سواء كانت إيجابية أو سلبية، مع هذا من حيث إنها لا تكاد تذكر شيئًا مستقلا بذاته وإنما تكون لها قيمة وهى مجتمعة. ومن بين هذه المعلومات عدد يتضح بجلاء أنه منقول من ألف ليلة وليلة. ولا يستتبع هذا بطبيعة الحال أن نقول إن القصة برمتها نشأت فى ذلك العهد، ذلك أن منشأ السيرة هو مصر، بل القاهرة إن شئت الدقة. وهذا واضح من أسماء الأشخاص والأماكن الكثيرة التى تشير جميعًا إلى مواضع معظمها فى مصر، بل إن بعضها يدل على معرفة سابقة دقيقة بخطط مصر، ولا ينقض هذه الحقيقة ورود قليل من الأسماء المأخوذة من دمشق وأرباضها فى السيرة.

أما من حيث مادة السيرة فإن مصر هى أيضًا المكان الأمثل لنشأتها, ولعل ما نستشفه بين سطورها من اعتقاد فى الخرافات وإيمان بالعجائب يدل كذلك على أن القصة إفريقية النشأة.

وتتمشى مادة السيرة مع الحقيقة التى تقول إن القصة قد ألفها ورواها الشعب أو إنها على الأقل قد رويت له. . ومن هنا نستطيع أن نتبين فى يسر السر فى أن النزعة الإسلامية العامة السليمة تسير جنبًا إلى جنب مع عدد من موروث المعتقدات غير الدينية لدى البعض ولا يمكن أن نجعلها تساير الأصول الإسلامية إلا بصعوبة وفى الظاهر فحسب. ذلك أن الدين الإسلامى الناشئ [آنئذ] لم يتغلغل بسرعة ورسوخ فى نفوس الجماهير بقدر ما تغلغل فى نفوس الطبقات المتعلمة التى كان زادها العقلى يعتمد فى جوهره على العلم والأدب اللذين أذاعهما الإسلام على نطاق واسع. أما العامة فلم يكن لديهم من معتقداتهم وعاداتهم بديل قوى يدفع عنهم تلك الأفكار. وقد استغرقت الحرب بين العرب المسلمين وبين الأحباش والزنوج الوثنيين جزءًا كبيرًا من السيرة كما سبق أن ذكرنا. ومن المفروض أن الناس جميعًا يعرفون أن بطل هذه الحرب سيف بن ذى يزن، قد عاش فى زمن الجاهلية، وأحالته السيرة نزّاعا للقتال، يدين بالإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015