رموزها، تعليلا له قيمته من الناحيتين التاريخية والعمية، ولاسيما من ناحية إظهار الصلة التي توجد بين التصوف باعتباره علمًا للباطن وبين غيره من العلوم الخفية كالكيمياء والسحر والطلسمات وما إليها مما كان له شأن عظيم في تاريخ الحضارة المصرية منذ أقدم العصور وعلى تعاقبها.
ومهما يكن من أمر اشتغال ذى النون بتلك العلوم الخفية، فإن أخص ما كانت تمتاز به حياته الروحية من خصائص هو أنَّه كان صوفيًا متحققا اشتغل أكثر ما اشتغل بنفسه وبما فتح عليه فيها من أبواب العلوم اللدنية والمعارف الإلهامية، وما أشرقت به
جوانبها من أنوار المحبة الإلهية والمعرفة القدسية، وهذا هو الَّذي جعل له مكانة ممتازة في تاريخ التصوف المصرى فضلًا عن تاريخ التصوف الإسلامى: فقد قال عنه جامى إنه رأس طائفة الصوفية، وإن الكل قد أخذ عنه وانتسب إليه، وأن المشايخ كانوا قبله، ولكنه كان أول من فسر إشارات الصوفية، وتكلم في هذا الطريق (?). وقال عنه أبو المحاسن إنه كان أول من تكلم في مصر في الأحوال ومقامات أهل الولاية (?).
ويلوح مما يذكره بعض المؤرخين أن أهل مصر في زمان ذى النون لم يكن لهم بمثل ما اشتغل به من علوم الصوفية سابق عهد، أو أنهم كانوا على أقل تقدير عند أول عهدهم بمثله، الأمر الَّذي ترتب عليه أن ثأروا به وحنقوا عليه ونسبوه إلى الزندقة.
فمن الشواهد على ذلك ما يرويه صاحب الكواكب الدرية عن ابن يونس من أن هذا الأخير قال عن ذى النون إنه امتحن وأوذى لكونه أتاهم بعلم لم يعهدوه، وإنه كان أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال، وفى مقامات الأولياء فحول الرجال، فقال جهلة
المتفقهة هو زنديق (?). ومنها ما يذ كره السيوطي من أن أهل مصر قد أنكروا على ذى النون، وقالوا إنه أحدث علمًا لم تتكلم فيه الصحابة، وسعوا به إلى الخليفة المتوكل، ورموه عنده بالزندقة (?) ومنها ما يورده المناوى من