الجغرافي العربي. فقد نقلت إليهم للمرة الأولى نقلًا صحيحًا يقوم على منهج تصورات من قبيل أن الأرض مستديرة وليست مسطحة، وأنها تشغل المركز بالنسبة للكون. وقد تناولت الأيات القرآنية خلق الكون والجغرافيا وغير ذلك، وإنما استخدمت الأحاديث لإسباغ التصديق الدينى على الكتب الجغرافية أو لحض المؤمنين على دراسة الجغرافيا وعلم الهيئة. ولذلك فإنه ما إن وافى مستهل القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادي) حتى كان الأساس الحقيقي قد وضع لتصنيف كتب جغرافية بالعربية، كما اتخذت الخطوة الإيجابية الأولى في هذا السبيل على يد المأمون الذي وفق إلى أن يحيط نفسه بعصبة من العلماء والدارسين وشمل برعايته الجهود العلمية. ولانستطيع التحقق من مسألة: هل كانت عناية المأمون بالفلك والجغرافيا عناية صحيحة علمية أو كان بعضها سياسيًا؟ على أنه تحققت في عهده مآثر علمية هامة في سبيل تقدم الجغرافيا، كقياس قوس خط الزوال (جاءت النتيجة في المتوسط 2/ 2 56 ميل عربي طول درجة من درجات الطول وهو عدد دقيق دقة عجيبة). والجداول الفلكية المسماة "الزيج الممتحن" قد أعدتها جهود مجموعة من الفلكيين. ونذكر أخيرًا خريطة اعدت للعالم اسمها "الصورة المأمونية"، وقد عدها المسعودى أكثر تفوقًا من خريطة بطلميوس وخريطة مارينوس الصورى، ذلك أنه رجع إلى الخرائط الثلاث وقارنها بعضها ببعض.

(ب) الفلكيون والفلاسفة:

وللفلكيين العرب والفلاسفة مآثر هامة أيضًا على الجغرافيا الرياضية والطبيعية تهيأت لهم بفضل ملاحظاتهم ومناقشاتهم النظرية: ذلك أنه منذ دخول الفلسفة والفلك الإغريقيين لدى العرب منذ النصف الثاني من القرن الثاني الهجرى (الثامن الميلادي) حتى النصف الأول من القرن الخامس الهجرى (الحادي عشر الميلادي) أخذت كوكبة من الفلاسفة والفلكيين تدرس مسائل مختلفة من الجغرافيا الرياضية والفلكية والطبيعية. وكانت كتب العلماء اليونان قد زودت العرب بأساس كاف ومادة تفى بذلك. ومن ثم سجلت نتائج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015