التجارب والملاحظات والمناقشات النظرية للعلماء العرب في كتبهم العامة عن الفلك والفلسفة أو في رسائلهم عن موضوعات خاصة كالمد والجزر، والجبال وغير ذلك. وقد عمد الكتاب المعاصرون لهم أو المتأخرون عنهم في كثير من الأحوال، وليس في جميع الأحوال، إلى نقل هذه النتائج في كتبهم، وكانوا يناقشونها في بعض الأحيان. وقد نقل بعض هؤلاء الكتاب نظريات جارية مخدلفة، يونانية أو غير يونانية، عن مسألة من المسائل في الأجزاء التمهيدية من كتبهم. ومن ثم نشات سنّة للكتابة في الجغرافية الرياضية والطبيعية والبشرية في بداية كل كتاب يتناول الجغرافيا. ويلاحظ هذا، على سبيل المثال، في كتببن رُسْتَه واليعقوبى والمسعودى وابن حوقل وغيرهم.
ومن الفلاسفة والفلكيين العرب البارزين الذين أفاد الجغرافيون العرب في كتبهم من نظرياتهم وناقشوها: يعقوب بن إسحاق الكندى المتوفى سنة 260 هـ (874 م) الذي ينسب إليه كتابان في الجغرافيا هما: (1) "رسم المعمور من الأرض" و (2) "رسالة في البحار والمد والجزر". ويقال إن تلميذًا من تلاميذ الكندى هو أحمد بن محمد ابن الطيجـ 1 لسرخسى المتوفى سنة 286 هـ (899 م) قد كتب أيضًا كتابين: (1) "المسالك والممالك". و (2) "رسالة في البحار والمياه والجبال". ولم ينته إلينا كتابًا الكندى ولا كتابًا تلميذه هذا، والذي نعرفه من آرائهما الجغرافية استقيناه من مصادر أخرى انتفعت بها. والظاهر أن الكاتبين كلاهما قد أفادا من كتب بطلميوس وغيره من الكتاب الإغريق، ذلك أننا نجد في المسعودى أن كتبهما تضم معلومات بطلمية عن الجغرافيا الطبيعية والرياضية وعن رسم الخرائط. وربما كان كتاب الكندى "رسم المعمور من الأرض" نقلا لكتاب بطلميوس في الجغرافيا كما يوحى عنوانه. وقد رجع المسعودى إلى كتاب لبطلميوس عنوانه "مسكون الأرض" وخريطة للعالم اسمها "صورة معمور الأرض" (المسعودى: مروج الذهب، جـ 1، ص 275 - 277؛ التنبيه والإشراف، ص 25، 30, 51).