المؤثرات اليونانية: وبين أيدينا معلومات أكثر إيجابية من ذلك عن كيفية انتقال المعرفة الجغرافية والفلكية عند اليونان إلى العرب في القرون الوسطى. وقد بدأ هذا الانتقال بترجمة كتب كلاوديوس بطلميوس وغيره من علماء الهيئة والفلسفة اليونان إلى اللغة العربية إما مباشرة أو عن السريانية.
وقد ترجم كتاب بطلميوس في الجغرافيا عدة مرات في العصر العباسى، ولكن ما انتهى إلينا هو أقتباس محمد بن موسى الخوارزمى المتوفى بعد سنة 232 هـ (847 م) لهذا الكتاب، مع إضافة معلومات ومعرفة معاصرة حصّلها العرب. ويذكر ابن خردادبه أنه رجع إلى كتاب بطلميوس وترجمه (ربما كان ذلك في أصله اليونانى أو في ترجمته السريانية)، وكذلك رجع المسعودى إلى نسخة من جغرافية بطلميوس كما رجع لخريطته عن العالم. ويبدو أن بعض هذه الترجمات كان قد أصبح محرفًا، أقحمت عليه مادة غريبة لا تنتسب إلى الكتاب الأصلي, مثال ذلك النسخة التي رجع إليها ابن حوقل "طبعة كرامرز، ص 13). ومن كتب بطليموس الأخرى التي انتفع بها جغرافيو العرب: المجسطى أو المقالات الأربعة، وكتاب الأنواء.
ومن كتب الكتاب الآخرون التي ترجمت إلى العربية: كتاب الجغرافيا لمارينوس الصورى (حوالي سنة 70 - 130 م) الذي رجع إليه أيضًا المسعودى كما رجع إلى خريطة العالم لمارينوس هذا؛ وطيماوس لأفلاطون؛ والآثار العلوية والسماع والعالم، وما وراء الطبيعة لأرسطو.
وكتب هؤلاء الكتاب وغيرهم من علماء الهيئة والفلاسفة الإغريق قد زودت العرب، حين ترجمت، بمادة على هيئة تصورات ونظريات ونتائج للأرصاد الفلكية ساعدتهم في إقامة جغرافيتهم على أساس علمي. ولا شك أن المؤثرات الفارسية كانت متميزة في الجغرافيا الإقليمية والوصفية مثلما كانت متميزة في رسم الخرائط، ولكن الأثر الإغريقى قد سيطر في الواقع على ميدان الجغرافيا العربية كله، بل إننا نجد في الميادين التي يمكن أن يقال أنه