عرضت على هؤلاء الفاتحين أحلاف أو فرضوها هم، فدانت لهم أقاليم من التل مستقرة الحياة مترامية الأطراف بل من الساحل. وظلت تنقلات هامة للسكان تحدث حتى نهاية القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادي)، مثال ذلك استقرار الدواددة الهلالية في شمالي ولاية قسنطينة، واستقرار معقل عبيد الله وزغبة بن عامر الهلالى بين تلمسان والبحر.، وكذلك اتجهت إلى اللغة العربية قبائل بربرية برمتها بفضل احتكاكها بالعرب البدو أو تحت إمرتهم، واشتراكها مع البدو في أسلوب حياتها. مثال ذلك ما فعلت سدوكيش غربي ولاية قسنطينة، وفروع من زناتة شمالي وهران. واستمر الاستعراب حتى وقتنا هذا يتغلغل في الص الجبلية ومراكز الصحراء القديمة التي ظلت معاقل البربرية. وكتاب الصباغ الذي لم يطبع عن حياة ولى شلف الكبير سيدى أحمد بن يوسف يزودنا بفكرة عن الحالة اللغوية لهذا الأقليم في القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادي) ويستشهد بعبارات من "اللغة الزناتية". J وكانت اللغة البربرية لاتزال يتحدث بها في تلك الفترة، ولكن العربية دون سواها هي لغة الحديث اليوم إلا في السلاسل الجبلية لبنى مناصر وونشريس الذين يعيشون على أكناف هذا الإقليم. وإن المرء ليجد ما يغريه على القول بأن انتشار لغة الفاتحين قد شجع عليه بصفة خاصة الأتراك بين القرنين التاسع والثالث عشر الهجريين (الخامس عشر والتاسع عشر الميلاديين). فهم قد عمدوا في الأقاليم الشمالية التي حاولوا السيطرة عليها، إلى القيام بتنقلات واسعة لجماعات من الريف والبدو على نطاق يفوق ما فعلته الأسر الحاكمة التي سبقتهم في المغرب الأوسط.

وقد كانت فورة السكان في هذه القرون عظيمة حتى أن علماء اللغة عجزوا عن أن يسوقوا أي مقياس سلالى. ولا شك أنه من الجائز أن نذهب إلى أن الجماعات التي بقيت تتحدث بالبربرية تشمل نسبة كبيرة من العناصر البربرية الأصل، ولكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015