الأول للهجرة (السابع الميلادي). وليست هذه الفتوحات مهمة من حيث ما أتت به من الناحية السلالية، إلا أن لها أثرًا كبيرا من النواحى العسكرية والسياسية والدينية، ومن ثم اللغوية، وهي قد أثرت أولًا وقبل كل شيء في المراكز الحضارية، ذلك أن العرب الفاتحين قد أقاموا في هذه البلاد حاميات توزع وحدات من الجند المشارقة في أرجاء البلاد التي رغبوا في أن يشرفوا عليها ويحكموها. وكما عربت فاس الإدريسية والقيروان الأغلبية الأقاليم الريفية والحضرية القائمة حولهما، كذلك فعلت تلمسان وقسنطينة في بلاد الجزائر، فحملتا الأقاليم القائمة بينهما وبين البحر، ونعنى بها ترارة وبلاد القبائل الشرقية، على أن تترك لسانها الوطنى وتصطنع لغة الفاتحين. وأغلب الظن أنه حدث بعد ذلك أن الدعوة الشيعية استطاعت- بربط القبائل البربرية بحركة الشيعة ربطا مباشرًا - أن يكون لها شأن في فرض اللغة العربية على أقوام بعينها في الشمال من إقليم قسنطينة. وهذا الاستعراب الذي حدث في الحقبة الأولى هو صاحب الفضل في العربية التي جرى الحديث بها في المراكز القديمة وفي الأقاليم الجبلية المجاورة. ومن ثم يمكن أن نسمى الصور المختلفة لهذه اللغة باسم: "اللهجات السابقة على الغزوة الهلالية".
وغزوة بنى هلال وسليم ومعقل، هي التي افتتحت الحقبة الثانية من التعريب. وقد بدأت في غضون منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادي) بإطلاق حشود القبائل العربية على "المغرب الغدار". وفي هذه المرة كان الأثر السلالى هامًا. وتنقل السكان الذي أحدثته غزوة هؤلاء الوافدين الجدد قد جعل بلاد البربر في حالة غليان، وأدى إلى الانتشار الواسع للغة التي جلبها الغزاة معهم. فلم تهجر البربرية إلى العربية نواح قليلة فحسب، بل هجرتها مناطق مترامية الأطراف أيضًا. والذي حدث أول الأمر بلا شك هو أن الفيافى والوديان العالية المنصرفة لحياة الرعى هي التي أنس إليها الوافدون البدو وأحسوا بأنهم فيها في مثل وطنهم. ثم