مصدر تعب كبير لحمودة، وأعمل حمودة- يعاونه يوسف صاحب الطابع- السيف في رقاب الإنكشارية المتمردين عام 1811 م ونظم الحكومة من جديد.
وطرأت تغيرات ملحوظة على أحوال السلطنة السياسية إبان القرن التاسع عشر، أولها القضاء على القرصنة والقرصان، وكانت من أهم موارد الدولة، وقد أرغمت الدول الأوربية محمودًا على ذلك (1814 - 1824 م) نتيجة لمؤتمرى فينا وإكس لاشايل، ثم كان لاحتلال فرنسا الجزائر عام 1830 أيام الباى حسين (1814 - 35 م) نتائج لم تكن في الحسبان. فقد حاولت تونس عبثا مدة نصف قرن الملاءمة بينها وبين الأحوال الجديدة بتغيير نظامها الداخلى وانتهاج سياسة وسط بين التراخى في تبعيتها للدولة العلية والانصراف عن هذه التبعية حينا آخر وبين السماح للدول المسيحية بالتدخل في شئونها على يد قناصلها.
وشجعت بريطانيا سلطان الباب العالى وناوأته فرنسا، ولم يبد هذا السلطان إلا في القليل من فرمانات التولية، وفي إرسال الجند التونسية إلى القريم (عام 1855) لمحاربة روسيا (وقد اشتركت وحدة بحرية تونسية مع الأسطول التركى في واقعة نافارينو عام 1827) , وعلى ذلك أخذ النفوذ الفرنسى والإنكليزى والإيطالى يزداد يوما عن يوم. نعم إن خطط فرنسا لإقامة أمراء تونسيين على الجزائر لم تلق نجاحا، ولكن تونس لم تعد تأخذ الجزية التي كانت تدفعها الدول المسيحية نظير حق الاتجار معها. وقد ألغى أحمد (1837 - 1855) وكان أشبه بالحاكم "المستبد المتنور"- الرق ومنح اليهود حرياتهم ونظم "الجيش التونسى" على النسق الأوربى، واختار له مدربين من الفرنسيين، وزار لويس فيليب في باريس عام 1846. بيد أن إسرافه الكثير الذي زاد فيه بناؤه دار الصناعة في غار الملح وقصور المحمدية استنزف موارد الدولة وكانت جد قليلة، ففُرضت ضرائب جديدة اسمها "محصولات قانون" لاحتكار أشجار الزيتون.