مأثور لشمال بلاد العرب بحيث يعم هذه البلاد، ثم إن للقالب الذي يكيف به تاريخ القبيلة أهميته ومكانته، إذ أنه يتناول رواية أغلب حوادث "الأيام" التي في غضونها حاربت القبيلة أعداءها، وجرت العادة بأن يتخلل كل رواية للحوادث بعض أبيات من الشعر، هذا وليست النسبة بين العناصر النثرية والعناصر الشعرية واحدة، ففي بعض الأحايين يكون الشعر ضربا من ضروب الارتجال وفي بعضها الآخر تكون الرواية النثرية شرحا للقصيدة الشعرية، وفي كلتا الحالتين يكون الشعر هو الذي حافظ على تناقل الرواية وانتشارها حتى أنه لما نسيت الأشعار اندثرت الروايات القديمة باندثارها، على حين أن أشعارا جديدة كانت تنظم للتنويه بما جد من الفعال المجيدة في تاريخ القبيلة، ومثل هذه الرواية، وان تكن مصبوغة بصبغة الغرض والتحيز ومجهولة زمن الحدوث ومغالى فيها من الناحية الخيالية، إلا أنها كانت مع ذلك على جانب من الحقيقة والصواب؛ هذا وقد حولت الفتوحات الإسلامية مجرى الروايات المأثورة عن القبيلة دون تغيير في خصياتها بينما حافظت الروايات الجديدة محافظة واسعة النطاق على الاتصال القديم بين الشعر والنثر إلى جانب المبالغة وعدم الدقة المعهودين في الكتابات القديمة، وهذا أيضًا كان من شأنه التاثير في التريخ الإسلامي من حيث إن تلك الروايات المأثورة هيأت المواد التي استقى منها المؤرخون المحدثون في تدوين تاريخ الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية (انظر الفقرة الثالثة).

أما العنصر الآخر في التأريخ المأثور للقبيله فهو حفظ أنساب القبائل، ومع هذا فقد ازداد نشاط علماء الأنساب في عهد بنى أمية القديم بإنشاء "الدواوين " إلى جانب مصالح ذوي العصبيات من العرب المتنافسين، وأدى ذلك إلى وقوع الخلط في نواحى علم الأنساب (انظر كتاب كولدتسيهر: "دراسات إسلامية، جـ 1، ص 177 - 179) في القرن الثاني من الهجرة غزا علماء فقه اللغة ميادين رواية القبيلة التي كانت حتى ذاك الوقت مجالا خاصا بنشاط الرواة والنسابين. وذلك لتحقيق ما نزعوا إليه من الإحاطة بكل ما تبقى من آثار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015