وحفظت آثارها بالنقوش المعينية والسبئية والحميرية، وكل ما وصل إلينا من هذا القبيل يحمل طابع التأريخ المنقول بالسماع كبضعة أسماء للملوك القدماء وقصص غامضة لحمتها وسداها المبالغة والتهويل عن عصور غبرت وذكريات قد تكون في الغالب أكثر من تلك دقة إلا أنها أكثر منها غموضا واستغلاقا عن حوادث وقعت في القرن السابق لظهور الإسلام. وفي خلال القرن الأول للهجرة أفسح الخيال المجال للتاريخ المأثور بالسماع حتى تألفت مجموعة من الأقاصيص والأساطير زعم أصحابها أنها تاريخ واف لبلاد العرب في العصور القديمة اقترنت به أسماء رجال من طراز وهب بن منّبه وعُبَيد بن شَريهَ. وما صنفه الاثنان في هذا الموضوع دليل واف على أن العرب الأقدمين كانت تنقصهم الملكة التاريخية والنفوذ إلى الحقائق حتى في أخص ما يتصل منها بحوادث عصرهم (انظر The Two Oldest: F. Krenkow رضي الله عنهooks on صلى الله عليه وسلمrabic Folklore في Islamic Culture المجلد الثاني) ومع ذلك فقد قبلت الأجيال التالية رواياتهم في مجموعها وأدمجها المؤرخون وكتاب آخرون في مؤلفاتهم.

وكان ابن إسحاق أحد الرواة عن عبيد، وقد جمع عبد الملك بن هشام "كتاب التيجان" لوهب في وضعه الحاضر، وأحل الطبري في ذخيرته الرائعة في المعارف الدينية المواد التي أخذها عنه محل الاعتبار؛ نعم إن ابن خلدون أشار إلى ما في بعض تلك القصص اليمانية من السخف والخرافة (جـ 1، ص 13 - 14) إلا أنه لم يتوان عن إيراد هذه القصص بعينها لتحلية نظرياته والترغيب فيها، ولهذا بقيت في مجموع التأريخ العربي عنصرا ينافى بداهة العقل ويتعارض مع نمو ملكة النقد وتفهم التأريخ القديم تفهما صائبا سديدا.

أما عرب الشمال فقد كان الحال عندهم مباينا لما تقدم بعض التباين، إذ كان لكل قبيلة تاريخ مأثور يعلو في حالات معينة على مستوى إدراك القبيلة، فانطوى بذلك على ناحية خاصة بفكرة أنساب قبائل العرب (كما عرفها العرب بعد ذلك) غير أنه لا يوجد هناك ما يرشح للإلماع إلى وجود تاريخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015