الشعر القديم مع إيضاح غوامضه، فأدوا للتاريخ خدمة جليلة إذ جمعوا شتات هذه المجموعة من المواد التاريخية وعنوا بترتيبها وتنسيقها بعد تمييزها بعضها لاعن بعض.
وكان أبو عبيدة (110 - 209 هـ = 728 - 824 م) أحد الموالى الذين يمتون إلى العراق بماتة الأصل، وهو من المثل البارزة في ذلك النشاط، فإنه لم يحمل اسمه أي بحث من المائتى البحث المنسوبة إليه، غير أن بعض هذه البحوث وردت بجوهرها في مصنفات ألفت فيما بعد آخذة بأطراف الرواية فيما يختص بشمال بلاد العرب ومنسقة في صورة سهلة التناول كروايات القبائل المستقلة وبطون القبائل فيما يرتبط بـ "الأيام " وتنسحب أيضًا حتى على الروايات التالية لظهور الإسلام وعلى الروايات التي احتوت شرح فتوحات الأقاليم المنقسمة بعضها على بعض، والحوادث الهامة ووقائع الحروب بل أخبار الجماعات "كقضاة" البصرة و، الخوارج " و" الموالى"، وكان أبو عبيدة متهما بمحاولة الطعن في العرب لصالح الشعوبية.
ولقد كان عمل هشام بن محمد الكلبى المتوفى حوالي سنة 204 هـ (819 م) شبيهًا بعض الشبه بعمل أبي عبيدة في اتجاهه ومناحيه (انظر مقدمة سخاو لطبقات ابن سعد، مجلد 3) إذ نظم المجموعات التي عنى والده المتوفى سنة 146 هـ (م) بحشدها وقام بتوسيع نطاقها كما نظم مجموعات عوانة وأبي محنف. وتتناول رسائله في الأغلب الغرض الذي ترمى إليه بحوث أبي عبيدة، غير أن مرجع الفضل إليه في عنايته بتدوين الأخبار التاريخية الخاصة بمدينة الحيرة وأسرتها المالكة مستندة إلى المصادر والوثائق المكتوبة، وقد خطا هذا العمل المقول باستناده إلى الوثائق المحفوظة في كنائس الحيرة والأسانيد الفارسية التي ترجمت له خطوات واسعة نحو التأليف التاريخي القائم على أساس العلم. ومع أنه لم ينته إلينا من ذلك المصنف سوى مقتبسات محدودة العدد فقد أثبتت التحقيقات الحديثة صحة روايته في مجموعه، ويقال عن هشام إنه نهج هذا النهج في مصنفاته الأخرى باعتماده على الكتابات والمواد المكتوبة التي كانت