يوصون بها ويتركونها في حياتهم وقفًا على أعمال البر والصدقات. وهكذا بنيت مساجد كثيرة وتكايا ومدارس دينية ومكتبات ملحقة بالمدارس والمساجد، وأدخلت طرق الدراويش طقوسا صوفية وشعائر أعجب بها سكان المدن. ومجمل القول أن مدن البوسنة والهرسك أصبحت معاقل للقوة التركية وموائل للثقافة التركية. وكذلك كان للمدن تأثير على الريف، فاجتذب أعدادًا كثيرة من الفلاحين وناسا من البقاع الريفية. وكان معظم المهاجرين فلاحين أسلموا، وغير مسلمين لم يلبثوا أن دخلوا وشيكا في الإسلام. وكان النصارى واليهود من أهل المدن قلة. وتزودنا أقدم سجلات العقارات التركية في البوسنة والهرسك بأدلة من الوثائق تثبت موضوع الجدل بأن الإسلام الجماعى كان منشؤه في المدن والنواحى الريفية التي تكتنفها. وتشير السجلات إلى أن الفلاحين الذين دخلوا في الإسلام في سنجق البوسنة إنما كانوا في أول هذه الفترة حول مدينة سراييفو فحسب. وفي سنة 894 هـ (1489 م) كان في سنجق البوسنة أكثر من 25.000 دار للمسيحيين ونحو 1300 للأرامل المسيحيات وأكثر من 4000 للعزاب منهم، وذلك بالمقارنة بما يقرب من 4500 منزل للمسلمين وفوق 2300 للعزاب منهم (انظر: باشوكالت أرشيوى. طابو دفتر رقم 24) وتدل السجلات الأولى لسنة 882 هـ (1477 م) للعقارات في سنجق الهرسك (طابو دفتر رقم 5) وكذلك في غيرها من سجلات العقارات أن اعتناق الإسلام لم يكن ابن لحظة، ولا يوجد أي دليل يؤيد الزعم القائل بأن حشودا من الأشياع التابعين لكنيسة البوسنة المنشقة كانوا منضمين إلى الفاتحين. ولم يكن ليوجد مؤمنون مخلصون لكنيسة البوسنة (كريستيانى) في غير بعض قرى الجبال في الهرسك، كما أن بعض المؤمنين بكنيسة البوسنة (كريستيانى) كانوا مقيدين على اعتبار أنهم يعيشون في قرية مهجورة في سنجق البوسنة. وكانت هذه هي الحالة الوحيدة. ويبدو أن اضطهاد عشرين سنة لهراطقة البوسنة في أيام الملك ستيبان توماش والملك ستيبان توماشيفتش قد شتت شمل كنيسة