بقيت علينا جولة نظر فى تلك المقالات الحمقى التى اختبط فيها القوم اختباط إخوة تفرقت بهم الطرق فى السير إلى مقصد واحد حتى إذا التقوا فى غسق الليل صاح كل فريق بالآخر صيحة المستخبر، فظن كل أن الآخر عدو يريد مقارعته على مابيده فاستحر بينهم القتال ولازالوا يتجالدون حتى تساقط جلهم دون المطلب، ولما أسفر الصبح وتعارفت الوجوه رجع الرشد إلى من بقى وهم الناجون ولو تعارفوا من قبل لتعاونوا جميعاً على بلوغ ما أملوا ولوافتهم الغاية إخواناً بنور الحق مهتدين. نريد تلك المقالات المضطربة فى أنه يجب على الله رعاية المصلحة فى أفعاله وتحقيق وعيده فيمن تعدى حدوده من عبيده وما يتلو ذلك من وقوع أعماله تحت العلل والأغراض، فقد بالغ قوم فى الإيجاب حتى ظن الناظر فى مزاعمهم أنهم عدوه واحداً من المكلفين يفرض عليه أن يجهد للقيام بما عليه من الحقوق وتأدية مالزمه من الواجبات تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وغلا آخرون فى نفى التعليل عن أفعاله حتى خيل للممعن فى مقالاتهم أنهم لايرضونه إلا قلباً يبرم اليوم ما نقضه

بالأمس، ويفعل غداً ما أخبر بنقيضه اليوم، أو غافلاً لا يشعر بما يستتبعه عمله سبحان ربك رب العزة عما يصفون وهو أحكم الحاكمين وأصدق القائلين، جبروت الله وطهارة دينه أعلى وأرفع من هذا كله. اتفق الجميع على أن أفعاله تعالى لا تخلو من حكمة وصرح الغلاة والمقصرون جميعاً بأنه تعالى منزه عن العبث فى أفعاله والكذب فى أقواله، ثم بعد هذا أخذوا يتنابزون بالألفاظ ويتمارون فى الأوضاع ولا يدرى إلى أى غاية يقصدون.

فلنأخذ ما اتفقوا عليه ولنرد إلى حقيقة واحدة ما اختلفوا فيه حكمة كل عمل ما يترتب عليه مما يحفظ نظاماً أو يدفع فساداً -خاصاً كان أو عاماً- لو كشف للعقل من أى وجه لعقله وحكم بأن العمل لم يكن عبثاً ولعباً، ومن يزعم للحكمة معنى لا يرجع إلى هذا حاكمناه إلى أوضاع اللغة وبداهة العقل. لا يسمى ما يترتب على العمل حكمة ولا تتمثل عند العقل بمثالها إلا إذا كان ما يتبع العمل مراداً لفاعله بالفعل وإلا لعد النائم حكيماً فيما لو صدرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015