عنه حركة فى نومه قتلت عقرباً كاد يلسع طفلاً أو دفعت صبياً عن حفرة كاد يسقط فيها بل لوُسم بالحكمة كثير من العجماوات إذا استتبعت حركاتها بعض المنافع الخاصة أو العامة، والبداهة تأباه. من القواعد الصحيحة المسلمة عند جميع العقلاء أن أفعال العاقل تصان عن العبث ولا يريدون من العاقل إلا العالم بما يصدر عنه بإرادته ويريدون من صونها عن العبث أنها لاتصدر إلا لأمر يترتب عليها يكون غاية لها، وإن كان هذا فى العاقل الحادث فما ظنك بمصدر كل عقل ومنتهى الكمال فى العلم والحكم؟ هذه كلها مسلمات لا ينازع فيها أحد. صنع الله الذى أتقن كل شئ وأحسن خلقه مشحون بضروب الحكم، ففيه ماقامت به السماوات والأرض وما بينهما وحفظ به نظام الكون بأسره وما صانه عن الفساد الذى يفضى به إلى العدم، وفيه ما استقامت به مصلحة كل موجود على حدته خصوصاً ما هو من الموجودات الحية كالنبات والحيوان ولولا هذه البدائع من الحكم ما تيسر لنا الاستدلال على علمه. فهذه الحكم التى نعرفها الآن بوضع كل شئ فى موضعه وإيتاء كل محتاج ماله إليه الحاجة، إما أن تكون معلومة له مرادة مع الفعل أم لا، لا يمكن القول بالثانى وإلا لكان قولا بقصور العلم إن لم تكن معلومة أو بالغفلة إن لم تكن مرادة، وقد سبق تحقيق أن علمه وسع كل شئ واستحالة غيبه أثر من آثاره عن إرادته، فهو يريد الفعل ويريد ما يترتب عليه من الحكمة ولا معنى لهذا إلا إرادته للحكمة من حيث هى تابعة للفعل، ومن المحال أن تكون الحكمة غير مرادة بالفعل مع العلم بارتباطها به فيجب الاعتقاد بأن أفعاله يستحيل أن تكون خالية من الحكمة وبأن الحكمة يستحيل أن تكون غير مرادة إذ لو صح توهم أن ما يترتب على الفعل غير مراد لم يعد ذلك من الحكمة كما سبق. فوجوب الحكمة فى أفعاله تابع لوجوب الكمال فى علمه وإرادته وهو مما لا نزاع فيه بين جميع المتخالفين، وهكذا يقال فى وجوب تحقق ما وعد وأوعد به فإنه تابع لكمال علمه وإرادته وصدقه وهو