التصرف فى ملك الغير بغير إذنه، وهو محال على الله تعالى، فإنه لايصادف لغيره ملكاً حتى يكون تصرفه فيه ظلماً، ويدل على جواز ذلك وجوده، فإن ذبح البهائم إيلام لها. وما صب عليها من أنواع العذاب من جهة الآدميين لم تتقدمه جريمة.

فإن قيل: إن الله تعالى يحشرها ويجازيها على قدر ما قاسته من الآلام، ويجب ذلك على الله سبحانه؛ قيل: من زعم أنه يجب على الله إحياء كل نملة وطئت حتى يثيبها على آلامها فقد خرج عن الشرع والعقل، إذ يقال: وصف الثواب والحشر بكونه واجباً عليه، إن كان المراد به أنه يتضرر بتركه فهو محال، وإن أريد به غيره فهو غير مفهوم إذ فيه خروج عن المعانى التى للواجب.

الأصل السابع: أنه تعالى يفعل بعباده مايشاء، فلا تجب عليه رعاية الأصلح لعباده، إذ لا يجب عليه شئ سبحانه، بل لا يعقل فى حقه الوجوب، فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

الأصل الثامن: أن معرفة الله سبحانه واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه، لا بالعقل، لأن العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو إما أن يوجبها لغير فائدة، وهو محال، فإن العقل لا يوجب العبث، وإما أن يوجبها لفائدة وغرض، ولذلك لا يخلو إما أن يرجع إلى المعبود، وذلك محال فى حقه تعالى، فإنه يتقدس عن الأغراض والفوائد، وإما أن يرجع ذلك إلى غرض العبد، وهو أيضاً محال، لأنه لا غرض له فى الحال، بل يتعب به وينصرف عن الشهوات بسببه، وليس فى المآل إلا الثواب والعقاب.

ويقول الإمام محمد عبده: أفعال الله صادرة عن علمه وكل ما صدر عن علم وإرادة فهو عن الاختيار ولا شئ مما يصدر عن الاختيار بواجب على المختار لذاته، فلا شئ من أفعاله بواجب الصدور عنه لذاته، فجميع صفات الأفعال -من خلق ورزق وإعطاء ومنع وتعذيب وتنعيم- مما يثبت له تعالى بالإمكان الخاص. فلا يطوفن بعقل عاقل -بعد تسليم أنه فاعل عن علم وإرادة- أن يتوهم أن شيئاً من أفعاله واجب عنه لذاته كما هو الشأن فى لوازم الماهيات أو فى اتصاف الواجب بصفاته مثلاً فإن ذلك هو التناقض البديهى الاستحالة كما سبق الإشارة إليه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015