وحد الاسم وحقيقته أن للأشياء وجوداً فى الأعيان ووجوداً فى الأذهان ووجوداً فى اللسان. أما الوجود فى الأعيان فهو الوجود الأصلى الحقيقى، والوجود فى الأذهان هو الوجود العلمى الصورى، والوجود فى اللسان هو الوجود اللفظى الدليلى؛ فإن السماء مثلا لها وجود فى عينها ونفسها، ثم لها وجود فى أذهاننا ونفوسنا، لأن صورة السماء تنطبع فى أبصارنا ثم فى خيالنا حتى لو عدمت السماء مثلا وبقينا لكانت صورة السماء حاضرة فى خيالنا. وهذه الصورة هى التى يعبر عنها بالعلم، وهو مثال المعلوم، فإنه محاكٍ للمعلوم وموازٍ له، وهو كالصورة المنطبعة فى المرآة فإنها محاكية للصورة الخارجة المقابلة لها. فالعلم إذن مثال الذهن فى المعلوم.
وأما الوجود فى اللسان فهو اللفظ المركب من أصوات قطعت أربع تقطيعات، يعبر عن القطعة الأولى بالسين، وعن الثانية بالميم، وعن الثالثة بالألف، وعن الرابعة بالهمزة، وهو قولنا: سماء. فالقول دليل على ما هو فى الذهن، وما فى الذهن صورة لما فى الوجود مطابقة له. ولو لم يكن وجود فى الأعيان لم تنطبع صورة فى الأذهان. ولو لم تنطبع صورة فى الأذهان لم يشعر بها إنسان، ولو لم يشعر بها الإنسان لم يعبر عنها باللسان.
فإذن اللفظ والعلم والمعلوم ثلاثة أمور متباينة لكنها متطابقة متوازية. والإنسان مثلا من حيث إنه موجود فى الأعيان يلحقه أنه نائم ويقظان وحى وميت وماشٍ وقاعد وغير ذلك، ومن حيث إنه موجود فى الأذهان يلحقه أنه مبتدأ وخبر وعام وخاص وجزئى وكلى وقضية وغير ذلك؛ ومن حيث إنه موجود فى اللسان يلحقه أنه عربى وعجمى وتركى وزنجى وكثير الحروف وقليلها، وإنه اسم وفعل وحرف وغير ذلك.
وهذا الوجود يجوز أن يختلف بالأعصار ويتفاوت فى عادة أهل الأمصار. فأما الوجود الذى فى الأعيان والأذهان فلا يختلف بالأعصار والأمم البتة.