إِنَّ مَنْ تَسَحَّرَ قُرْبَ الْفَجْرِ يَبْطُلُ صَوْمُهُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: وَلَا يَبْعُدُ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا.

ص: (أَوْ قَدِمَ لَيْلًا) ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا قَدِمَ لَيْلًا فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ قَدِمَ نَهَارًا فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعُذْرُهُ فِي هَذِهِ أَضْعَفُ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِذْ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى مَا تَوَهَّمَهُ، انْتَهَى.

وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا، لَكِنْ يَبْعُدُ إِجْرَاءُ الْخِلَافِ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (أَوْ سَافَرَ دُونَ الْقَصْرِ) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَافَرَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَنَوَى الْإِفْطَارَ وَأَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَعُذْرَهُ هُنَا أَقْوَى مِنَ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَبِلَهُ؛ إِذْ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ، وَأَمَّا مَنْ أَصْبَحَ فِي الْحَضَرِ صَائِمًا فَسَافِرَ دُونَ الْقَصْرِ فَأَفْطَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ. وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَحْرَى فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ.

ص: (أَوْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا) ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى شَوَّالًا نَهَارًا ثَلَاثِينَ فِي رَمَضَانَ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ فَأَفْطَرَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. فَقَدْ حَكَاهَا فِي التَّوْضِيحِ فِيمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نِصْفَ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ رَآهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أُعْذِرَ، وَلِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي إِبَاحَةِ الْإِفْطَارِ.

ص: (فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ) ش: رَاجِعٌ إِلَى الْمَسَائِلِ السِّتِّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِذَلِكَ فَأَفْطَرَ مُتَعَمَّدًا، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ.

(تَنْبِيهَاتٌ) :

الْأَوَّلُ: تَقَدَّمَ مِنَ التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا إِذَا ثَبَتَ هِلَالُ رَمَضَانَ نَهَارًا، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ، فَأَفْطَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْهِلَالِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.

وَيَأْتِي مِنْهُ مَسْأَلَتَانِ:

الْأُولَى: مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فَأَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُتَأَوِّلًا أَنَّ السَّفَرَ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ.

وَالثَّانِيَةُ: إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ ظَانًّا أَنَّ عَزْمَهُ عَلَى السَّفَرِ يُبِيحُ لَهُ الْإِفْطَارَ. بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفْطَرَ مُتَعَمَّدًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.

وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُنَا؛ لِمَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَظَنُّوا الْإِبَاحَةَ- أَنَّهُمْ لَوْ شَكُّوا فِي الْإِبَاحَةِ لَزِمَتْهُمُ الْكَفَّارَةُ، وَأَحْرَى إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِلَّا تَوَهُّمُ الْإِبَاحَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ ظَنِّ الْإِبَاحَةِ يَسْقُطُ عَنْهُمُ الْإِثْمُ، كَمَا سَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ.

وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِطْرِ. وَهُمْ آثِمُونَ فِي إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْإِفْطَارِ مَعَ الشَّكِّ أَوْ مَعَ التَّوَهُّمِ، فَإِنْ أَفْطَرُوا فَعَلَيْهِمُ الْكَفَّارَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثُ: كُلُّ مِنْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِظَنِّهِ الْإِبَاحَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ، فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَأَفْطَرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ أَفْطَرَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مُتَأَوِّلًا: أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا هِيَ تَكْفِيرٌ لِلذَّنْبِ، وَمَنْ تَأَوَّلَ فَهِمَ بِذَنَبٍ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَجَاوَزَ لِأَمَةِ نَبِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. وَوَجْهُ قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْذُرْهُ بِالْجَهْلِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَسَعُ جَهْلُهَا، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَكَأَنَّهُ يُلْزِمُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِقْدَامُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، انْتَهَى.

ص: (بِخِلَافٍ بَعِيدِ التَّأْوِيلِ) ش: أَيْ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنَّفِ: أَنَّ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ هُوَ مَا اسْتَنَدَ إِلَى سَبَبٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ، لَكِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنَّفُ.

ص: (كَرَاءٍ وَلَمْ يُقْبِلْ) ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015