الْمَصْلَحِيِّ الَّذِي لَا تَأْبَاهُ الْقَوَاعِدُ، انْتَهَى.
ص: (وَعَنْ أَمَةٍ وَطِئَهَا، أَوْ زَوْجَةٍ أَكْرَهَهَا) ش: إِنَّمَا قَالَ فِي الْأَمَةِ وَطِئَهَا، وَالزَّوْجَةِ أَكْرَهَهَا؛ لِيُنَبَّهَ عَلَى أَنَّ طَوْعَ الْأُمَّةِ كَالْإِكْرَاهِ، فَإِذَا وَطِئَهَا وَجَبَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ وَطِىءَ أَمَةً كَفَّرَ عَنْهَا، وَإِنْ طَاوَعَتْهُ؛ لِأَنَّ طَوْعَهَا كَالْإِكْرَاهِ لِلرِّقِّ، وَلِذَلِكَ لَا تُحَدُّ الْمُسْتَحَقَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنْ وَاطِئَهَا غَيْرُ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إِلَّا أَنْ تَطْلُبَهُ هِيَ بِذَلِكَ وَتَسْأَلَهُ فِيهِ، فَيَلْزَمُ الْأَمَةَ الْكَفَّارَةُ، وَتُحَدُّ الْمُسْتَحَقَّةُ، إِنْ لَمْ تُعْذَرْ بِجَهْلٍ، انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالسُّؤَالِ مَا إِذَا تَزَيَّنَتْ، وَلَمْ أَرَ فِي كِتَابِ الْأَصْحَابِ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(فَرْعٌ) : فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا، فَالْإِطْعَامُ عَنْهَا لَازِمٌ لَهُ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ يُونُسَ، وَانْظُرْ تَخْصِيصَهُ التَّكْفِيرَ عَنْهَا حِينَئِذٍ بِالْإِطْعَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ الْأَخَفُّ غَالِبًا، وَإِلَّا فَحِينَ صَارَتْ حُرَّةً فَيَصِحُّ التَّكْفِيرُ عَنْهَا بِالْعِتْقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِنْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ بِمَنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فَهِيَ جِنَايَةٌ، إِمَّا أَنْ يُسْلِمَهُ السَّيِّدُ فِيهَا، أَوْ يَفْدِيَهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ. وَلَوْ طَلَبَتِ الْمَفْعُولُ بِهَا أَخْذَ ذَلِكَ وَتَصُومُ عَنْ نَفْسِهَا لَمْ يُجْزِهَا وَإِنْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا، فَيَصِيرُ ثَمَنُهَا لِلصِّيَامِ، وَالصِّيَامُ لَا ثَمَنَ لَهُ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَإِنْ أَكْرَهَ الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ، فَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: هُوَ جِنَايَةٌ إِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَسْلَمَهُ، أَوِ افْتَكَّهُ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ الرَّقَبَةِ أَوِ الطَّعَامِ. وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ ذَلِكَ وَتُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ؛ إِذْ لَا ثَمَنَ لَهُ.
ابْنُ مُحْرِزٍ: وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ: الرَّقَبَةُ الَّتِي يُكَفَّرُ بِهَا لَا رَقَبَةُ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَهُوَ خِلَافُ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ. وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ مِمَّا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَفْتَدِيَهُ السَّيِّدُ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُخَيَّرَةٌ فِيمَا تُكَفِّرُ بِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَقْوَى عِنْدِي مِنَ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ لَاحَظَ فِي الْأَوَّلِ كَوْنَ الْمُكَفِّرِ إِنَّمَا يُكَفِّرُ بِأَخَفِّ الْكَفَّارَاتِ لَا بِأَثْقَلِهَا، انْتَهَى بِمَعْنَاهُ.
خَلِيلٌ: وَقَوْلُهُ: خِلَافُ مَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ إِلَخْ، يُرِيدُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: يَفْدِيهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ، فَهَذَا يَقْتَضِي قِيمَةَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ حُكْمَ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ كَهَذَا، بَلْ يَفْتَكُّهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، أَوْ يُسْلِمُهُ. وَعَلَى هَذَا فَفِي نَقْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ نَظَرٌ. فَاعْلَمْهُ، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(قُلْتُ) : وَلَيْسَ مَا قَالَاهُ مُتَعَيِّنًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ، بَلْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَا، بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ- رَاجِعًا إِلَى مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَالطَّعَامُ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي رَقَبَتِهِ رَاجِعًا إِلَى ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُسْلِمَهُ أَوْ يَفْتَكَّهُ بِالْأَقَلِّ مِنَ الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ أَوْ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ وَالطَّعَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ مُخَيَّرَةٌ- يَعْنِي: فِيمَا إِذَا كَانَتْ تُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَمَّا إِذَا كَفَّرَ الزَّوْجُ فَالْخِيَارُ لَهُ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ. وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحِظَ أَكْثَرَ الْقِيمَتَيْنِ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ لَوْ كَفَّرَتْ عَنْ نَفْسِهَا كَانَتْ مُخَيَّرَةً. فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ: أَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَ أَمَةً فَالْحُكْمُ كَالزَّوْجَةِ، بَلْ صَرِيحُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَإِذَا أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى الْوَطْءِ رَجُلَانِ، فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا دُونَ الثَّانِي؛ وَذَلِكَ أَنَّ الثَّانِي لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهَا، وَلَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا بِوَطْئِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا،