بَعْدَ ذِكْرِ الرَّقَبَةِ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ بَدَنَةً؟ قَالَ: لَا» . قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ الصِّحَاحِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْبَدَنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَذِكْرُ الْبَدَنَةِ هُوَ الَّذِي أُنْكِرَ عَلَى عَطَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ يُفْتِي بِهِ إِلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَجَامِعُ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا رَقَبَةً، أَهْدَى بَدَنَةً إِلَى مَكَّةَ، انْتَهَى مُخْتَصَرًا.

ص: (لِكُلِّ مُدٍّ) ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَشْهَبُ: الْمُدُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ الْغَذَاءِ وَالْعَشَاءِ. وَنَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ بِلَفْظِ: إِنْ شَاءَ.

(تَنْبِيهَاتٌ) :

الْأَوَّلُ: فَلَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ: مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فِي يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُطْعِمَ ثَلَاثِينَ آخَرِينَ، انْتَهَى مِنَ الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.

أَبُو الْحَسَنِ: وَلَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَ ثَلَاثِينَ مُدًّا مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَيُعْطِيَهَا غَيْرَهُمْ، فَإِنْ فَوَّتُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ رُجُوعٌ، كَمَنْ عَوَّضَ مِنْ صَدَقَةٍ ظَانًّا لُزُومَهَا، انْتَهَى.

الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: اللَّخْمِيُّ صَنَّفَهَا كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِ إِطْعَامِ الْكَفَّارَةِ لِأَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ كَيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، لَا يَأْخُذُ مِنْهَا الْمِسْكِينُ الْوَاحِدُ إِلَّا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ. أَوْ أَيَّامَهُ كَأَيْمَانٍ يُجْزِيهِ أَخْذُهُ لِلْيَوْمَيْنِ نَظَرٌ، وَهَذَا أَبْيَنُ. وَقَوْلُ الْجَلَّابِ: لَوْ أَطْعَمَ سِتِّينَ لِإِحْدَى كَفَارَتَيْهِ، ثُمَّ أَطْعَمَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِلْأُخْرَى أَجْزَأَهُ؛ مَفْهُومُهُ لَوْ أَطْعَمَهُمْ عَنْهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَى.

الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ، وَلَا تَتَعَدَّدُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ اتِّفَاقًا، وَلَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَذْهَبِ. وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَيَّامِ مُوجِبِهَا وَلَوْ قَبْلَ إِخْرَاجِهَا، لَا بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهَا قَبْلَهُ اتِّفَاقًا، وَبُعْدَهُ نَقَلًا. ابْنُ بَشِيرٍ عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ، انْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (وَهُوَ الْأَفْضَلُ) ش: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ كَانَ حُرًّا مَالِكَ التَّصَرُّفِ، وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ وَالْأُمَّةُ بِالصِّيَامِ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ ذَلِكَ بِالسَّيِّدِ، فَيَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ فِي الْإِطْعَامِ. وَنَقَلَهُ الْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ.

وَإِذَا فَعَلَ السَّفِيهُ مُوجَبَ الْكَفَّارَةِ، وَقُلْنَا: إِنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ، أَمَرَهُ وَلَيُّهُ بِالصِّيَامِ لِحِفْظِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَأَبَى، كَفَّرَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِالْأَقَلِّ مِنِ الْعِتْقِ وَالطَّعَامِ. عَبْدُ الْحَقِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إِذَا أَبَى مِنَ الصَّوْمِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَبْيَنُ، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيحِ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَاجِيُّ: أَفْتَى مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا بِالْإِطْعَامِ فِي الشِّدَّةِ، وَالْعِتْقِ فِي الرَّخَاءِ. وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ: بِصَوْمِ ذِي سَعَةٍ.

وَبَادَرَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَمِيرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حِينَ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ وَطْءِ جَارِيَةٍ لَهُ فِي رَمَضَانَ بِكَفَّارَتِهِ بِصَوْمِهِ، فَسَكَتَ حَاضَرُوهُ. ثُمَّ سَأَلُوهُ: لِمَ لَمْ تُخَيِّرْهُ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ؟ فَقَالَ: لَوْ خَيَّرْتُهُ وَطِىءَ كُلَّ يَوْمٍ وَأَعْتَقَ. فَلَمْ يُنْكِرُوهُ.

عِيَاضٌ: وَحَكَاهُ فَخْرُ الدِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ الشَّرْعِ إِلْغَاؤُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِبْطَالِهِ.

(قُلْتُ) : وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ رَأَى الْأَمِيرَ فَقِيرًا، مَا بِيَدِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ.

(قُلْتُ) : وَلَا يَرِدُ هَذَا بِتَعْلِيلِ الْمُفْتِي بِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ، وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مُوحِشٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْفَخْرِ: هَذَا الْمِثَالُ قَدْ يُتَحَيَّلُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَجْلِ قِيَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا شَرَعَ الْكَفَّارَةَ زَجْرًا، وَالْمُلُوكُ لَا تَنْزَجِرُ بِالْإِعْتَاقِ، فَتَعَيَّنَ مَا هُوَ زَجْرٌ فِي حَقِّهِمْ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنَ النَّظَرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015