بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى الصَّوْمَ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ جَمِيعِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَيُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي إِصْبَاحِهِ يَنْوِي الْفِطْرَ، قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ مَالِكٍ، وَأَشْهَبَ مَعَ رِوَايَتِيْ أَبِي الْفَرَجِ، وَفِيهَا: لَوْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْفِطْرَ، ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَفَّرَ. أَشْهَبُ: لَا كَفَّارَةَ. الصَّقَلِّيُّ: لَعَلَّهُ فِيمَنْ صَامَ بَعْضَهُ؛ إِذْ لَا تَرْتَفِعُ نِيَّتُهُ إِلَّا بِفِعْلٍ.
وَلَوْ كَانَ أَوَّلَ صَوْمِهِ كَفَّرَ اتِّفَاقًا. وَفِيهَا الشَّكُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ: بِكَفَّارَةِ مَنْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّرَ. سَحْنُونُ: لَا كَفَّارَةَ، وَقَضَاؤُهُ مُسْتَحَبٌّ. فَخَرَّجَهُمَا عِيَاضٌ عَلَى صِحَّةِ رَفْضِهِ وَامْتِنَاعِهِ. الشَّيْخُ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: مَنْ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ نَهَارَهُ لَمْ يُفْطِرْ بِالنِّيَّةِ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) : لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ. ذَكَرَهُ فِي الْمَعُونَةِ. وَفِي الْعُمْدَةِ مُخْتَصَرَةِ الْمَعُونَةِ: وَالرِّدَّةُ مُبْطِلَةٌ، وَلَا يُلْزَمُ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَهُ فِيهَا إِذَا أَسْلَمَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، انْتَهَى.
ص: (أَوْ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا) ش: انْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِالْأَكْلِ: هَلْ هُوَ الْأَكْلُ الْمُعْتَادُ؟ فَلَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحَصَا وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ. أَوْ مُرَادُهُ مَا قَدَّمَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْإِفْطَارُ فَيَعُمُّ ذَلِكَ الْجَمِيعَ؟
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَفَّارَةِ: وَفِي نَحْوِ التُّرَابِ وَفِلْقَةِ الطَّعَامِ عَلَى تَفْرِيعِ الْإِفْطَارِ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ، انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الْفِطْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَشَى عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. وَالَّذِي اخْتَارَهُ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ يَرَى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ.
وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ فِي بَابِ مَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْحَصَى وَالدِّرْهَمِ. فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْمَبْسُوطِ: لَهُ حُكْمُ الطَّعَامِ فَعَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا، فَيَقْضِي لِتَهَاوُنِهِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْحَصَى يَشْغَلُ الْمَعِدَةَ إِشْغَالًا وَيُنْقِصُ مِنْ كَلَبِ الْجُوعِ، انْتَهَى.
ص: (بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا) ش: وَلَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ سَدُّ سِتِّينَ خَلَّةً، وَهُوَ حَاصِلٌ، فَلِمَ لَا يُجْزِئُ؟ قِيلَ: الْمَقْصُودُ سَدُّ خُلَّةِ سِتِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَجْرِ، وَلِتَوَقُّعِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَلِيٌّ مَقْبُولُ الدُّعَاءِ. نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ.
(فَائِدَةٌ) : وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ فِي حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ