وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ: وَسُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ الدَّهْرَ كُلِّهِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا، قَالَ سَحْنُونٌ: إِنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ مِنْ عُذْرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَفْطَرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، قِيلَ: وَمَا الْكَفَّارَةُ؟ قَالَ: إِطْعَامُ مِدٍّ. أَخْبَرَ بِهِ أَبُو زَيْدٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: أَنَّ عَلَيْهِ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. وَوَجْهُ هَذَا: أَنَّهُ لَمَّا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا مَا لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً أَشْبَهَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً، إِذْ قَدْ جَاءَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: الْقِيَاسُ عَلَى كَفَّارَةِ التَّفْرِيطِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لِلْفِطْرِ مُتَعَمَّدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِيهِ، وَهَذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِطْرُ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ فَلَزِمَهُ صِيَامُ ظِهَارٍ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَصُومُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَصُومُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنَ الْوَاضِحَةِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ؛ إِذْ لَا يَجِدُ لَهُ قَضَاءً. وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: كَفَّارَةُ إِطْعَامِ مَسَاكِينَ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِالصَّوْمِ، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَمِينِهِ، وَيُطْعِمْ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ، أَوْ نَذَرَ صِيَامَ الْاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، ثُمَّ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ لِظِهَارٍ فَلْيَصُمْهَا لِظِهَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا نَذَرَ مِنْ صِيَامِ الدَّهْرِ مِنَ الْأَيَّامِ الْمُسَمَّاةِ، قَالَهُ مَالِكٌ. وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ: يُطْعِمُ لِعِدَّةِ مَا صَامَ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا، وَهَذَا أَدْنَى الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ، انْتَهَى.
وَمِثْلُ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ: صِيَامُ الْهَدْيِ، وَالْفِدْيَةِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْبِهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَانْظُرْ كَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ.
وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَقْدِسِيِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ ثُمَّ أَفْطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا: قَالَ كَافَّةُ النَّاسِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَانْظُرْ بَقِيَّتَهُ.
ص: (جِمَاعًا) ش: قَالَ سَنَدٌ: وَكَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لَوْ وَطِىءَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ فَرْجَ مَيْتَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ، انْتَهَى مِنَ الذَّخِيرَةِ.
(فَرْعٌ) : قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَمَنِ احْتَلَمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «: ثَلَاثَةٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ» ... فَذَكَرَ الِاحْتِلَامَ مِنْ ذَلِكَ. نَقَلَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (أَوْ رَفْعُ نِيَّةٍ نَهَارًا) ش: يَعْنِي بَعْدَ أَنْ أُصْبِحَ صَائِمًا، فَأَحْرَى إِذَا أَصْبَحَ نَاوِيًا لِلْفِطْرِ وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ