ابْنُ هُرْمُزَ يَكْرَهُونَ الْحُقْنَةَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ، وَيَقُولُونَ: لَا تَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، وَهِيَ مِنْ فِعْلِ الْعَجَمِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَرِهَهَا، وَقَالَ: وَهِيَ شُعْبَةٌ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ.

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمَاجِشُونِ يَكْرَهُهَا، وَيَقُولُ: كَانَ عُلَمَاؤُنَا يَكْرَهُونَهَا.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَانَ مِمَّنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ التَّعَالُجِ بِالْحَقْنِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ غَالِبَةٍ لَا تُوجَدُ عَنِ التَّعَالُجِ بِهَا مَنْدُوحَةٌ، انْتَهَى.

وَسُئِلَ مَالِكٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ الْحُقْنَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا.

الْأَبْهَرِيُّ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنَ الدَّوَاءِ وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلنَّاسِ، وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّدَاوِيَ وَأَذِنَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، فَتَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ» انْتَهَى.

خَلِيلٌ: فَظَاهِرُهُ مُعَارَضَةُ النَّقْلِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ عَلَى حَالَةِ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (أَوْ حَلْقٍ) ش: مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَنْ رَعَفَ فَأَمْسَكَ أَنْفَهُ فَخَرَجَ الدَّمُ مِنْ فِيهِ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَذَ الْأَنْفِ إِلَى الْفَمِ دُونَ الْجَوْفِ، فَهُوَ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْجَوْفِ لَا شَيْءَ فِيهِ، انْتَهَى.

ص: (وَإِنْ مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ) ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُمْنَعُ الِاسْتِعَاطُ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَذٌ مُتَّسِعٌ، وَلَا يَنْفَكُّ الْمُسْتَعِطُ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إِلَى حَلْقِهِ، وَلَمْ يَخْتَلَفْ فِي وَقْعِ الْفِطْرِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَكْتَحِلُ وَلَا يَصُبُّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ. فَإِنِ اكْتَحَلَ بِإِثْمِدٍ وَصَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَبَّ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا لِوَجَعٍ بِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَصَلَ ذَلِكَ إِلَى حَلْقِهِ، فَلْيَتَمَادَ فِي صَوْمِهِ وَلَا يُفْطِرْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا يُكَفِّرْ إِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ. فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ أَشْهَبُ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

إِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ.

وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا غَلَطٌ، وَلَعَلَّهُ مِنَ النَّاسِخِ. وَصَوَابُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ ابْتِدَاءً.

فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ فَلْيَتَمَادَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَكَذَا إِنْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَصْلٌ فِي كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى مِنَ الصَّغِيرِ.

وَفِي الْكَبِيرِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ مَا يُعْمَلُ فِي الرَّأْسِ حِنَّاءٌ أَوْ دُهْنٌ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ فَلْيَقْضِ. الشَّيْخُ: وَيَخْتَبِرُ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ سَنَدٌ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْكُحْلِ وَالصَّبِّ فِي الْأُذُنِ وَالِاسْتِعَاطِ وَالْحُقْنَةِ:

(فَرْعٌ) : إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمَنْعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ فَعَلَهُ نَهَارًا، وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَا يَضُرُّهُ هُبُوطُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ إِذَا غَاضَ فِي أَعْمَاقِ الْبَاطِنِ لَيْلًا لَمْ تَضُرَّ حَرَكَتُهُ، وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ مَا يَتَحَدَّرُ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْفَمِ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْجَائِفَةُ كَالْحُقْنَةِ بِخِلَافِ دُهْنِ الرَّأْسِ، وَقِيلَ: إِلَّا أَنْ يَسْتَطْعِمَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ خِلَافٌ فِي حَالٍ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ فِي دُهْنِ الرَّأْسِ وَلَوِ اسْتُطْعِمَ، وَلَمْ أَرَ الْأَوَّلَ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ شَاسٍ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَوَّلَ، وَانْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ.

وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ:

(مَسْأَلَةٌ) : مَنْ عَمِلَ فِي رَأْسِهِ الْحِنَّاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنِ اسْتَطْعَمَهَا فِي حَلْقِهِ قَضَى، وَإِلَّا فَلَا. وَكَذَا مَنِ اكْتَحَلَ.

(قُلْتُ) : وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَدَمَ الْقَضَاءِ فِيمَا وَصَلَ لِحَلْقِهِ مِنْ رَأْسِهِ. وَالْأَوَّلُ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ. وَثَالِثُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّ هَذِهِ مَنَافِذُ ضَيِّقَةٌ، وَوُصُولُهَا إِلَى الْحَلْقِ نَادِرٌ فَتَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ النَّادِرَةِ، هَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ مُطْلَقًا، انْتَهَى.

ص: (وَبَخُورٍ) ش: أَيْ بَخُورٍ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ كَمَا قَالَ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015