لِلْمَشَقَّةِ، وَإِنْ نَظَرَ فَالْتَذَّ بِقُبْلَةٍ فَلَا حُكْمَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَنْعَظَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَمْنَى فَإِنِ اسْتَدَامَ فَالْقَضَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمِ النَّظَرُ اسْتُحِبَّ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَجِبْ، وَإِنْ أَمْذَى فَإِنِ اسْتَدَامَ قَضَى وَكَفَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ فَالْقَضَاءُ. وَهَلْ يُكَفِّرُ؟ جُمْهُورُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ، وَأَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْتَذَّ بِقَلْبِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ فَقَوْلَانِ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ بَاشَرَ أَوْ لَاعَبَ وَلَمْ يُمْذِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنْعَظَ، فَقَوْلَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، انْتَهَى.
وَكَلَامُ ابْنِ بَشِيرٍ هَذَا مُوَافِقٌ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عِيَاضٌ فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالِاسْتِدَامَةِ فِي النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّامِلِ؛ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُلَاعَبَةَ قَالَ: فَإِنْ أَمْذَى وَأَنْعَظَ قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ. لَكِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ نَظَرٍ وَفِكْرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِثْرَ قَوْلِهِ: وَالْأَشْهَرُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (وَإِيصَالِ مُتَحَلِّلٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَعِدَتِهِ) ش: وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ اقْتَصَرَ فِي الْجَلَّابِ وَالتَّلْقِينِ فَانْظُرْهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا.
(فَرْعٌ) : إِذَا ابْتَلَعَ الصَّائِمُ فِي النَّهَارِ مَا يَبْقَى بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنَ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ غَالِبٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ أَخْذَهُ فِي وَقْتٍ يَجُوزُ لَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَفِي يَدِهِ حَصْبَاءُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (بِحُقْنَةٍ بِمَائِعٍ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَتُكْرَهُ الْحُقْنَةُ وَالسَّعُوطُ لِلصَّائِمِ، فَإِنِ احْتَقَنَ فِي فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ بِشَيْءٍ يَصِلُ إِلَى جَوْفِهِ فَلْيَقْضِ وَلَا يُكَفِّرْ. وَقَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ قَطَرَ فِي إِحْلِيلِهِ دُهْنًا، أَوِ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ، أَوْ دَاوَى جَائِفَةً بِدَوَاءٍ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِ مَائِعٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
عِيَاضٌ: الْحُقْنَةُ: مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَوَائِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ، انْتَهَى.
أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ. وَنَقْطَعُ أَنَّهُ يَصِلُ لِجَوْفِهِ، وَلَوْ قَطَعْنَا أَنَّهُ يَصِلُ كَانَ حَرَامًا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَصِلُ كَانَ مُبَاحًا، فَلَمَّا تَسَاوَى الِاحْتِمَالَانِ كَانَ مَكْرُوهًا، ثُمَّ إِنْ فَعَلَ فَإِنْ وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّ شَكَّ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَكَلَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي الْفَجْرِ.
اللَّخْمِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الِاحْتِقَانِ بِالْمَائِعَاتِ هَلْ يَقَعُ بِهِ فِطْرٌ أَوْ لَا يَقَعُ بِهِ؟ وَأَلَّا يَقَعَ بِهِ أُحْسِنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِلُ إِلَى الْمَعِدَةِ وَلَا إِلَى مَوْضِعٍ يَتَصَرَّفُ مِنْهُ مَا يُغَذِّي الْجِسْمَ بِحَالٍ.
عِيَاضٌ: وَقَوْلُهُ بَعْدُ فِي الْحُقْنَةِ بِالْفَتَائِلِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْفِطْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحُقْنَةِ الْمَائِعَةِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحُقْنَةِ مُجْمَلًا.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَائِعَاتِ فَلَا خِلَافَ فِيهَا. وَاعْتَرَضَ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَصْلِهِ فِي الرِّضَاعِ أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ غِذَاءً، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى فِي الرِّضَاعِ مَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَيُنْشِئُ الْعَظْمَ، وَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا فِي الصَّوْمِ، بَلْ مَا يَصِلُ إِلَى مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِمَّا يُشَغِّلُ الْمَعِدَةِ وَيُسَكِّنُ كَلْبَ الْجُوعِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ أَوِ اسْتَدْخَلَ فَتَائِلَ: يَعْنِي فِي دُبُرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا دُهْنٌ أَمْ لَا، انْتَهَى.
وَقَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ: وَإِذَا تَحَقَّقَ وُصُولُ الْحُقْنَةِ، يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا لَمْ يُضْطَرَّ لَهَا، وَأَمَّا مَنِ اضْطُرَّ لَهَا فَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُكَفِّرُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَمَّدَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. نَعَمْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا وَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ، انْتَهَى.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ ابن حبيب فِي كِتَابٍ لَهُ فِي الطِّبِّ: كَانَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخْعِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَرَبِيعَةُ