السُّلَيْمَانِيَّةِ فِيمَنْ تَبَخَّرَ بِالدَّوَاءِ فَوَجَدَ طَعْمَ الدُّخَانِ فِي حَلْقِهِ، قَالَ: يَقْضِي يَوْمًا بِمَنْزِلَةِ مَنِ اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، فَيَجِدُ طَعْمَ ذَلِكَ فِي حَلْقِهِ فَيَقْضِي. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ ابْنِ لُبَابَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اسْتَنْشَقَ بَخُورًا لَمْ يُفْطِرْ، وَأَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيحِ.
فَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ عَلَى مَنْ شَمَّ الرَّائِحَةَ وَلَمْ يَجِدْ طَعْمَ الْبَخُورِ فِي حَلْقِهِ فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الصَّغِيرِ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَإِنَّمَا يُفْطِرُ بِمَا يَصِلُ إِلَى حَلْقِهِ مِنْ طَعْمِ دَوَاءٍ لَا مِنْ طَعْمِ رِيحٍ، وَنَحْوُهُ فِي النَّوَادِرِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَنِ السُّلَيْمَانِيَّةِ، وَابْنِ لُبَابَةَ.
ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: وَأَمَّا الْمِسْكُ وَغَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَالْفِطْرُ يَقَعُ بِجُزْءٍ مِنَ الْمُتَنَاوَلِ، لَا بِدُخُولِ رَائِحَتِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: هَذَا بِخِلَافِ اسْتِنْشَاقِ رَوَائِحِ الْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْهُ قَضَاءٌ.
الشَّيْخُ: وَاسْتِنْشَاقُ قِدْرِ الطَّعَامِ بِمَثَابَةِ الْبَخُورِ؛ لِأَنَّ رِيحَ الطَّعَامِ لَهُ جِسْمٌ وَيَتَقَوَّى بِهِ الدِّمَاغُ، فَيَحْصُلُ بِهِ مَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، انْتَهَى. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إِذَا وَجَدَ طَعْمَ دُخَانِ الْقِدْرِ يُفْطِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ فِي التَّلْقِينِ: يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنِ الشُّمُومِ وَلَمْ يُفَصِّلْ، انْتَهَى، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: وَالَّذِي يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِيصَالُ شَيْءٍ إِلَى دَاخِلِ الْبَدَنِ.
وَالثَّانِي: إِخْرَاجُ شَيْءٍ عَنْهُ.
فَالَّذِي يُوصِلُ إِلَى دَاخِلِ الْبَدَنِ: مَا يَصِلُ إِلَى الْحَلْقِ ثُمَّ يَنْمَاعُ وَيَقَعُ الِاغْتِذَاءُ بِهِ، أَوْ لَا يَنْمَاعُ وَيُتَطَعَّمُ أَوْ لَا يُتَطَعَّمُ، وَذَلِكَ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الْمُغَذِّيَيْنِ، وَكَالدِّرْهَمِ، وَالْحَصَا، وَسَائِرِ الْجَمَادَاتِ الَّتِي لَا تُتَطَعَّمُ وَلَا تَنْمَاعُ وَلَا يَقَعُ بِهَا غِذَاءٌ، وَمَثَلُهَا الْكُحْلُ، وَالدُّهْنُ، وَالشَّمُومُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَائِعَاتِ وَالْجَامِدَاتِ الْوَاصِلَةِ إِلَى الْحَلْقِ، وَصَلَتْ مِنْ مَدْخَلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ مَدْخَلِهِمَا كَالْعَيْنِ، وَالْأَنْفِ، وَالْأُذُنِ، وَمَا تَحَدَّرَ مِنَ الدِّمَاغِ بَعْدَ وُصُولِهِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْمَنَافِذِ، انْتَهَى.
وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ هَذَا فِي الشَّامِلِ فَقَالَ فِيهِ: وَلَا يَشُمُّ شَيْئًا مِنَ الرَّيَاحِينِ، انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ: وَلَا يَشُمُّ شَيْئًا مِنَ الرَّيَاحِينِ، انْتَهَى.
وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي فَصْلِ الِاعْتِكَافِ، أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ، وَالْمُعْتَكِفَ لَا يَكُونُ إِلَّا صَائِمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (وَغَالِبٍ مِنْ مَضْمَضَةٍ أَوْ سِوَاكٍ) ش: قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ