وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إِذَا صَحَّ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ السَّفْرِ وَالْمَرَضِ كَصَوْمٍ مُبْتَدَإٍ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ. وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ الْأُوْلَى؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَتِ النِّيَّةُ الْأَوْلَى يَنْقَطِعُ حُكْمُهَا بِارْتِفَاعِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ، وَلَوْ كَانَ التَّتَابُعُ حَاصِلًا فَأَحْرَى أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُهَا بِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حِسًّا.
قَالَ فِي التَّلْقِينِ: وَأَمَّا قَطْعُ النِّيَّةِ فَهُوَ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ لِحُصُولِ الْوَجْهِ الَّذِي يَسْقُطُ مَعَهُ الِانْحِتَامُ، وَإِنْ أَثَّرَ الصَّوْمُ مَعَهُ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، أَوْ لَا يَنْقَطِعُ اسْتَدَامَتُهَا، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ اسْتِصْحَابُ ابْتِدَائِهَا، انْتَهَى.
فَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ: أَنَّهُ لَوْ فَسَدَ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنَ الصِّيَامِ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ، فَإِنَّ حُكْمَ النِّيَّةِ يَنْقَطِعُ وَلَوْ كَانَ بِالْفِطْرِ فِيهِ نَاسِيًا، وَلَا بُدّ مِنْ تَجْدِيدِهَا لِمَا بَقِيَ مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ بِفِطْرٍ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نِسْيَانٍ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ: وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ بِالْمَعْرُوفِ، انْتَهَى.
مَعَ أَنَّ الْفِطْرَ نَاسِيًا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ فِيهِ خِلَافًا. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ التَّلْقِينِ: أَوْ بِحُصُولِ الْوَجْهِ الَّذِي يَسْقُطُ مَعَهُ الِانْحِتَامُ - مَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يُقْطَعُ اسْتِدَامَتُهَا إِلَى آخِرِهِ يَعْنِي بِهِ: أَنَّ حُصُولَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَةُ النِّيَّةِ حُكْمًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ اسْتِصْحَابهَا فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَانْظُرْ إِذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّجْدِيدُ اتِّفَاقًا وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ؟ وَعِبَارَةُ ابْنِ بَشِيرٍ: لَوْ طَرَأَ فِي رَمَضَانَ مَا أَبَاحَ الْفِطْرَ هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى إِعَادَةِ التَّبْيِيتِ؟ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْحُكْمُ السَّابِعُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِفْطَارِ قَطْعُ النِّيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ: تَنْقَطِعُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ تَرْكِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ بِزَوَالِ التَّحَتُّمِ كَالسَّفَرِ وَالْمَرَضِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ فِي التَّلْقِينِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (لَا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ) أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي يَجِبُ تَتَابُعُهُ وَتَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ إِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ فِيهِ بِحُصُولِ الْفِطْرِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا بُدّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ. وَأَمَّا إِذَا حَصَلَ مَا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ - وَلَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ بِالْفِعْلِ - فَيُسْتَفَادُ حُكْمُهُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا: (وَكَفَتْ نِيَّةٌ لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (وَبِنَقَاءٍ) ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّوْمِ النَّقَاءُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، يُرِيدُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَهُ بِهِ؛ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ، وَلَا يُقَالُ: قَوْلُهُ هُنَا إِنَّ النَّقَاءَ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ - يَقْتَضِي أَنَّهُ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي الْوُجُوبِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْحَيْضِ، وَخِلَافُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَوْلُهُ إِنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ لَا يَنْفِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ: إِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ إِذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
ص: (وَوَجَبَ إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ لَحْظَةً) ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ ابْنُ المَاجُشُونِ: إِنْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْغُسْلَ فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَجَزَأَهَا صَوْمُهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لَا يَسَعُ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهَا صَوْمُهَا، انْتَهَى مِنَ التَّوْضِيح،