سَرْدُ الصَّوْمِ: تَتَابُعُهُ، قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى سَرْدِ صَوْمِ أَيَّامٍ، أَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ دَائِمًا، أَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إِلَّا بِنِيَّةٍ مُجَدِّدَةٍ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَلَا يَكْتَفِي بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ: مَنْ أَرَادَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَتَابِعًا، وَمَنْ عَزَمَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْمَرَضِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كُلَّ لَيْلَةٍ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الصَّوْمِ الَّذِي عَزَمَ عَلَى تَتَابُعِهِ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي نَوَى صَوْمَهُ أَوْ نَذْرَهُ.
(تَنْبِيهٌ) : تَأَمَّلْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: (رُويْتُ عَلَيْهَا) ، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّوْضِيحَ مَنْ رَوَاهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ.
ص: (لَا إِنِ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ) ش: هَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ: (وَكَفَتْ نِيَّةٌ) لِمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا إِنِ انْقَطَعَ وُجُوبُ تَتَابُعِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تَكْفِي فِيمَا يَجِبُ تَتَابُعُهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يَقْطَعُ وُجُوبَ التَّتَابُعِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفْرِ، فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ فِيهِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ السَّابِقَةُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُكَلَّفُ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الصَّوْمِ وَمُتَابَعَتَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّجْدِيدِ كُلَّ لَيْلَةٍ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَهُ فِي العُتْبِيَّةِ. وَالْمَرِيضُ مُلْحَقٌ بِالْمُسَافِرِ. وَحَكَى سَنَدٌ قَوْلًا ثَانِيًا فِي الْمُسَافِرِ بِالِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَشَارَ اللَّخْمِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي السَّرْدِ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ ظَاهِرٌ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ بِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَنْ نَوَى جَمِيعَ رَمَضَانَ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ. وَقَالَ فِي العُتْبِيَّةِ: يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَيَانِ الِاكْتِفَاءَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ، وَنَصُّهُ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى: وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الصِّيَامِ يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ فِي السَّفَرِ، وَصِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى، فَاخْتُلِفَ إِذَا نَوَى مُتَابَعَةَ ذَلِكَ هَلْ تُجْزِيهِ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِهِ؟ أَوْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِجَوَازِ الْفِطْرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ تُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِهِ، يَكُونُ حُكْمُهَا بَاقِيًا وَلَوْ زَالَ عَيْنُهَا مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْفِطْرِ عَامِدًا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَتَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ عَلَيْهِ تَجْدِيدَ النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ، انْتَهَى.
وَالَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي العُتْبِيَّةِ هُوَ فِي سَمَاعِ مُوسَى، وَنَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِيهِ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يُبَيِّتَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَإِنْ نَوَى أَنْ يُتَابِعَ الصِّيَامَ فِي سَفَرِهِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَنْوِ مُتَابَعَةَ الصِّيَامِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لِمَالِكٍ: أَنَّهُ لَا تَبْيِيتَ عَلَى مَنْ شَأْنُهُ سَرْدُ الصِّيَامِ، وَمِثْلُهُ فِي الْوَاضِحَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ: أَنَّ عَلَيْهِ التَّبْيِيتَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِجَوَازٍ الْفِطْرِ. فَمَا لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ لِمَالِكٍ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّلِ رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى.
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا فَرَغَ مِنْ سَفَرِهِ وَأَقَامَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ لِمَا بَقِيَ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ التَّتَابُعُ مِنْ بَابٍ أَحْرَى،