وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَلَسْتُ أَرَاهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ مَنْ يَصُومُهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَلَكْتُ الْأَمْرَ أَدَّبْتُهُ وَشَرَدْتُ بِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ غَيَّرُوا دِينَهُمْ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إِثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: سُؤَالٌ فِي قَوْلِهِ: فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ يُشْتَرَطُ فِي التَّشْبِيهِ الْمُسَاوَاةُ أَوِ الْمُقَارَبَةُ، وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ وَلَا مُدَانَاةَ بَيْنَ عُشْرِ الشَّيْءِ وَكُلِّهِ، جَوَابُهُ: مَعْنَاهُ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

(تَنْبِيهٌ) : هَذَا الْأَجْرُ مُخْتَلِفٌ: فَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ النَّاشِئَةُ عَنْ رَمَضَانَ أَعْظَمُ أَجْرًا؛ لِكَوْنِهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ، وَسُدْسُهُ ثَوَابُ النَّفْلِ.

وَإِنَّمَا قَالَ: (بِسِتٍّ) ، وَلَمْ يَقُلْ: بِسِتَّةٍ، وَهُوَ الْأَصْلُ لِوُجُوبِ تَأْنِيثِ الْمُذَكَّرِ فِي الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ اللَّيَالِيَ عَلَى الْأَيَّامِ لِسَبْقِهَا. انْتَهَى كَلَامُ الذَّخِيرَةِ.

(فَرْعٌ) : مِنَ الْمَكْرُوهِ: الْوِصَالُ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْأَهْلِ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهِنَّ، وَفُضُولُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَإِدْخَالُ الْفَمِ كُلَّ رَطْبٍ لَهُ طَعْمٌ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ النَّوْمِ بِالنَّهَارِ. نَقَلَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ جُزَيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ لَهُ ذَوْقُ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ، وَمَضْغُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى جَوْفِهِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ. أَبُو الْحَسَنِ: يَعْنِي لِيُدَاوِيَ بِهِ شَيْئًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَارَنَتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَيَعْنِي أَيْضًا إِذَا مَضَغَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا لَوْ مَضَغَهُ مِرَارًا وَابْتَلَعَ رِيقَهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَلِعُ بَعْضَ أَجْزَائِهِ مَعَ رِيقِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مُقَارَنَتُهُ مَعَ الْمِلْحِ وَالطَّعَامِ، انْتَهَى مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ.

وَفِي الصَّغِيرِ يَعْنِي إِذَا مَضَغَهُ لِيَجْعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ، وَأَمَّا لِيَبْتَلِعَ الرِّيقَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إِنَّمَا هِيَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ قَبْلَ مَا تَقَدَّمَ: الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ مَخَافَةَ أَنْ يَصِلَ إِلَى حَلْقِهِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَحَاصِلُهُ: إِذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وفِي النَّوَادِرِ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ: قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَأَكْرَهُ لِلصَّائِمِ مَضْغَ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ، وَلَحْسَ الْمِدَادِ، فَإِنْ دَخَلَ جَوْفَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلْيَقْضِ، وَمَنْ صَامَ مِنَ الصِّبْيَانِ فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ كُلَّهُ. وَيَذُوقُ الصَّائِمُ الْمِلْحَ وَالْعَسَلَ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ جَوْفَهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنْ وَصَلَ مِنْهُ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلْيَقْضِ، وَإِنَّ تَعَمَّدَ فَلْيُكَفِّرْ، قَالَ أَشْهَبُ: وَأَكْرَهُ لَهُ لَحْسَ الْمِدَادِ، وَمَضْغَ الْعِلْكِ، وَذَوْقَ الْقِدْرِ وَالْعَسَلِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ. وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَيُكْرَهُ لَهُ ذَوْقُ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ، وَمَضْغُ اللِّبَانِ وَالْعِلْكِ، وَلَمْسُ الْعَقِبِ، وَلَحْسُ الْمِدَاد، وَالْمَضْغُ لِلصَّبِيِّ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ مَجَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ جَازَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى حَلْقِهِ سَاهِيًا فَلْيَقْضِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَلْيُكَفِّرْ وَيَقْضِ.

وَكُلُّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذَا أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ فِي التَّطَوُّعِ الْقَضَاءُ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ فِيهِ فِي التَّطَوُّعِ قَضَاءٌ، وَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ وَكُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ فَفِيهِ الْقَضَاءُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: وَلَمْسُ الْعَقِبِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ: أَوْ يَلْمِسُ الْأَوْتَارَ بِفِيهِ، أَوْ يَمْضُغُهَا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْعَقَبُ - بِالتَّحْرِيكِ - الْعَصَبُ الَّذِي يُعْمَلُ مِنْهُ الْأَوْتَارُ، الْوَاحِدَةُ عَقْبَةٌ، تَقُولُ مِنْهُ: عَقَّبْتُ السَّهْمَ وَالْقَدَحَ وَالْقَوْسَ، إِذَا لَوَيْتَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقَبِ وَالْعَصَبِ: أَنَّ الْعَصَبَ يَضْرِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ، وَالْعَقَبَ يَضْرِبُ إِلَى الْبَيَاضِ.

ص: (وَمُدَاوَاةُ حَفَرٍِ زَمَنَهُ) ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إِثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: أَوْ يُدَاوِي الْحَفْرَ فِي فِيهِ وَيَمُجُّ الدَّوَاءَ، انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا كَرَاهَةُ مُدَاوَاةِ الْحَفْرِ فِي فِيهِ. الشَّيْخُ عَنْ أَشْهَبَ: إِنْ كَانَ فِي صَبْرِهِ لِلَّيْلِ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ نَهَارًا. ابْنُ حَبِيبٍ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَصِلُ لِحَلْقِهِ. الْبَاجِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدِي كَالْمَضْمَضَةِ، وَلَوْ بَلَغَ جَوْفَهُ غَلَبَةً قَضَى، وَعَمَدًا كَفَّرَ. وَكَذَا مَا ذكَرَهُ ابْنُ زَرْقُونَ، فَيَصِيرُ الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ سَوَاءَ إِنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الْغَلَبَةِ الْقَضَاءُ، وَفِي الْعَمْدِ الْكَفَّارَةُ. ابْنُ حَبِيبٍ: إِنْ وَصَلَ حَلَقَهُ قَضَى، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ ذَوْقَ الْأَطْعِمَةِ، وَوَضْعَ الدَّوَاءِ فِي الْفَمِ لِلْحَفَرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015