حِينَ ذَكَرَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَمَنْ قَالَ: الْمُحَرَّمُ أَوَّلُهَا احْتَجَّ بِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَفِقْهُ هَذَا الْخِلَافِ: أَنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَيُقَالُ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: ابْدَأْ بِالْمُحَرَّمِ، ثُمَّ بِرَجَبٍ، ثُمَّ بِذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُقَالُ لَهُ: ابْدَأْ بِذِي الْقِعْدَةِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ صِيَامِكَ فِي رَجَبٍ مِنَ الْعَامِ الثَّانِي، انْتَهَى.

(قُلْتُ) : هَذَا لَازِمٌ إِنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَهَا مُرَتَّبَةً، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الرَّابِعُ: ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْأَشْهُرِ الْمُرَغَّبِ فِي صِيَامِهَا شَوَّالًا، وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، لَكِنْ وَقَفْتُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ عَلَى حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَنَصُّهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ دَخَلَ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ عُقْبَةُ: أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَرِيفٍ مِنْ عُرَفَاءِ قُرَيْشٍ عَنْ أَبِيهِ، انْتَهَى.

وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا ابْنُ الْعِمَادِ فِي كشف الأسرار وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: (وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِمَنْ أَسْلَمَ وَقَضَاؤُهُ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَان، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّتِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَضَاؤُهُ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اخْتُلِفَ فِي الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟

عِيَاضٌ: وَالِاسْتِحْبَابُ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَابْنِ حَبِيبٍ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ سَاوَى الْمَجْنُونَ يُفِيقُ.

قَالَ الْبَاجِيُّ: وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِخِطَابِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكَ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ، لَكِنْ قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ تَخْرِيجٌ بَعِيدٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اخْتُصَّ بِالْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ مِمَّا قَبْلَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَهُ؛ لِفَوَاتِ صَوْمِهِ شَرْعًا كَالْيَوْمِ السَّابِقِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَهُ لَكَانَ الْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِخِطَابِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ شُيُوخِنَا، وَإِنَّمَا اسْتُحِبَّ لِيَظْهَرَ عَلَيْهِمْ صِفَاتُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى.

وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ. قَالَ: وَعَلَى قَوْلِهِ: لَا يَقْضِيه، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلُهُ.

عِيَاضٌ: وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيُّ تَرْكُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَرْكِ الْإِمْسَاكِ وَاسْتِحْبَابُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَا يَطَّرِدُ؛ إِذِ الْحَائِضُ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَالْقَضَاءُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَالنَّاسِي فِي الْفَرْضِ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَالْمُغْمَى وَالْمُحْتَلِمُ لَا يُمْسِكَانِ وَلَا قَضَاءَ، وَالنَّاسِي لِصَوْمِهِ يُفْطِرُ فِي التَّطَوُّعِ مَأْمُورٌ بِالْإِمْسَاكِ وَلَا قَضَاءَ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.

(فَرْعٌ) : قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيَّةُ تَحِيضُ أَوَّلَ حَيْضَتِهَا فِي يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، انْتَهَى.

وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوِ الصَّبِيَّةُ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ انْعَقَدَ نَافِلَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَهُوَ كَالْحَائِضِ، قَالَهُ سَنَدٌ، أَيْ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْ رَمَضَانَ وَلَا قَضَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ، وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ.

ص: (وَتَعْجِيلُ الْقَضَاءِ) ش: تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ.

(مَسْأَلَةٌ) : قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِذَا لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى انْقِضَاءِ الثَّانِي، فَلْيَبْدَأْ إِذَا أَفَاقَ بِالْأَوَّلِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالثَّانِي أَجَزَأَهُ، انْتَهَى.

ص: (وَبَدْءٌ بِكصُومِ تَمَتُّعٍ إِنْ لَمْ يَضِقِ الْوَقْتُ) ش: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ ظِهَارٍ وَقَضَاءُ رَمَضَانَ بَدَأَ بِأَيِّهِمَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015