وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: الصِّيَامُ عَمَلُ بَرٍّ لَا لِفَضْلِ صَوْمِ رَجَبٍ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ صِيَامِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ.

وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: سُئِلَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ الصَّلَاحِ عَنْ صَوْمِ رَجَبٍ كُلِّهِ، هَلْ عَلَى صَائِمِهِ إِثْمٌ أَمْ لَهُ أَجْرٌ؟ وَفِي حَدِيثٍ يَرْوِيهِ ابْنُ دِحْيَةَ أَنَّهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مِنَ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ لِصُوَّامِ رَجَبٍ» هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ: لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُؤْثِمْهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ فِيمَا نَعْلَمُهُ، بَلْ قَالَ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ: لَمْ يَثْبُتْ فِي صَوْمِ رَجَبٍ حَدِيثُ أَيِّ فَضْلٍ خَاصٍّ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ زُهْدًا فِي صَوْمِهِ بِمَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا، وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي صَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَافٍ فِي التَّرْغِيبِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ: تُسَعَّرُ جَهَنَّمُ لِصُوَّامِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ، وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا نَقَلَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ عَنْ مَنْعِ صَوْمِ رَجَبٍ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ، وَهَلْ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ جُمْعَةٍ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: نَذْرُ صَوْمِ رَجَبٍ لَازِمٌ؛ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِهِ، وَالَّذِي نَهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ بِمَأْخَذِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ.

وَكَيْفَ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ دَوَّنُوا الشَّرِيعَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ انْدِرَاجَهُ فِيمَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ؟ بَلْ يَكُونُ صَوْمُهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الصَّوْمِ مِثْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمُ» ، وَقَوْلِهِ: «لَخُلُوفُ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُدَ» وَقَدْ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا عَدَا رَجَبًا مِنَ الشُّهُورِ.

وَمَنْ عَظَّمَ رَجَبًا بِغَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَظِّمُونَهُ لَهَا فَلَيْسَ بِمُقْتَدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا فَعَلَتْهُ الْجَاهِلِيَّةُ مَنْهِيًّا عَنْ مُلَابَسَتِهِ، إِلَّا إِذَا نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ، وَدَلَّتِ الْقَوَاعِدُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِكَوْنِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَعَلُوهُ، وَالَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ جَاهِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْجَهْلِ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ إِلَّا لِمَنِ اشْتُهِرَ بِالْمَعْرِفَةِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَأْخَذِهَا، وَالَّذِي يُضَافُ إِلَيْهِ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُقَلَّدُ، وَمَنْ قَلَّدَهُ فَقَدْ غُرِّرَّ بِدِينِهِ، انْتَهَى.

وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ:

تَتْمِيمُ الأَصَبِّ صَوْمُهُ نُدِبْ ... لِكُلِّ قَادِرٍ وَبِالنَّذْرِ يَجِبْ

وَأَحْمَدُ كَرِهَهُ إِذَا انْفَرَدْ ... وَالْمَانِعُ الْمُطْلَقُ قَوْلُهُ يُرَدْ

وَالنَّهْيَ عَنْهُ قَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ... وَضَعْفَهُ النَّسَائِي فِي الدِّيبَاجَهْ

وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ قَالَ مَنْ نَهَى ... عَنْ صَوْمِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ سَهَا

وَشَدَّدَ النَّكِيرَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهْ ... وَقَالَ لَا يُرْجَعُ فِي الْفَتْوَى إِلَيْهْ

إِذِ الَّذِينَ نَقَلُوا الشَّرِيعَهْ ... مَا كَرِهُوا صِيَامَهُ جَمِيعَهْ

وَفِي عُمُومِ طَلَبِ الصَّوْمِ انْدَرَجْ ... وَزَالَ عَنْ صَائِمِهِ بِهِ الْحَرَجْ

وَابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ مَنْ رَوَى رَجَبْ ... فِيهِ عَذَابُ صَائِمِيهِ قَدْ وَجَبْ

غَيْرُ صَحِيحٍ لَا تَحِلُّ نِسْبَتُهْ ... إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ضَلَّ مُثْبِتُهْ

فَفِي عُمُومِ الْفَضْلِ لِلصَّوْمِ نُصُوصٌ ... تَدُلُّ لِاسْتِحْبَابِهِ عَلَى الْخُصُوصِ

الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَمَّا ذَكَرَ مَا وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي صِيَامِهِ مِنَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ، وَفِي صَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: الْمُحَرَّمِ، وَرَجَبٍ، وَذِي الْقِعْدَةِ، وَذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَدِّهَا مِنْ عَامَيْنِ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) : قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي أَوَائِلِ الرَّوْضِ الْأُنُفِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى النُّسَاةِ الَّذِينَ نَسَؤُوا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ. قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ: أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الْمُحَرَّمُ، هَذَا قَوْلٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَهَا ذُو الْقِعْدَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015