وَالشَّبَعُ الْمَذْمُومُ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي رِوَايَةِ بِلَادِنَا، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: إِنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالضَّمِّ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي رِوَايَةِ بِلَادِهِمْ، انْتَهَى.
الْحَادِي عَشَرَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّحُورَ الْأَكْلُ وَقْتَ السَّحَرِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ: وَوَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ إِلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، وَمِنْ عَجَّلَهُ فَوَاسِعٌ يُرْجَى لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُرْجَى لِمَنْ أَخَّرَهُ إِلَى آخِرِ أَوْقَاتِهِ، انْتَهَى.
وَيَحْصُلُ السُّحُورُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجُرْعَةٍ مِنْ مَاءِ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَقَعَتْ نَازِلَةٌ بِبَغْدَادَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ صَائِمٌ أَنْ لَا يُفْطِرَ عَلَى حَارٍّ وَلَا بَارِدٍ، فَأَفْتَى ابْنُ الصَّبَّاغِ إِمَامُ الشَّافِعِيَّةِ بِحِنْثِهِ، إِذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَفْتَى الشِّيرَازِيُّ بِعَدَمِ حِنْثِهِ قَائِلًا: إِنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَهُوَ حُصُولُ اللَّيْلِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هاَهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» وَفَتْوَى ابْنُ الصَّبَّاغِ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمَقَاصِدَ، وَفَتْوَى الشِّيرَازِيُّ صَرِيحُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، انْتَهَى.
ص: (وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) ش: يَعْنِي أَنْ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ مِنِ الْإِفْطَارِ، يُرِيدُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلِأَنَّ الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ أَكْثَرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ أَشَدُّ حُرْمَةً، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ مَالِكًا يَسْتَحِبُّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ وَيَكْرَهُ الْإِفْطَارَ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ، يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّوْمِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ بَلَدَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ فِي آخِرِهِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّتَ الصَّوْمَ، وَلَا يُنْدَبُ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَأَشْهَبُ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ نَافِعٍ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَهَذَا يَأْتِي عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ الْإِفْطَارُ فِي السَّفَرِ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الطِّرَازِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، كَمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الَّذِي يَدْخُلُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يُنْدَبُ لَهُ الصَّوْمُ حَتَّى عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فَتَأَمَّلْهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ السَّفَرِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْإِفْطَارُ، وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْفِطْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «وَلَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَلِحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ صَامَ أَوْ أَفْطَرَ، وَعَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ الْإِفْطَارُ إِلَّا فِي سَفَرِ الْجِهَادِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. فَتَحْصُلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْإِفْطَارِ وَالْقَصْرِ أَنَّ الْقَصْرَ تَبْرَأُ مَعَهُ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ، بِخِلَافِ الْفِطْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ صَوْمَهُ مَعَ النَّاسِ أَسْهَلُ مِنَ الِانْفِرَادِ فِي صَوْمِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ فَمَحْمُولَانِ عَلَى مَنْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُظَلَّلُ عَلَيْهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ.
(فَائِدَةٌ) : رُوِيَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بِإِبْدَالِ لَامِ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِ الْبِرِّ وَالصِّيَامِ وَالسَّفَرِ مِيمًا وَهِيَ لُغَةُ حِمْيَرَ.
ص: (وَصَوْمُ عَرَفَةَ إِنْ لَمْ يَحُجَّ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَوْمُ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبِلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمُ، وَأَبُو دَاوُدَ. وَأَمَّا إِنْ حَجَّ فَيُكْرَهُ لَهُ صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: «نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ صِيَامِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» ؛ وَلِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ فِيهِ