بِأَنَّ الْوِصَالَ مَكْرُوهٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّابِعُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ عِيَاضٌ: اخْتُلِفَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَالطَّعَامُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى تَقْدِيمِ الطَّعَامِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ خَفِيفًا.

(قُلْتُ) : الْأَقْرَبُ رَدُّهُمَا إِلَى وِفَاقٍ، وَهُوَ الْبُدَاءَةُ بِالصَّلَاةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ يَتَشَوَّقُ لِلطَّعَامِ، فَيَكُونُ الْخِلَافُ خِلَافًا فِي حَالٍ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ كَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي، انْتَهَى.

(قُلْتُ) : مَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ» ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إِذَا قَرُبَ الْعَشَاءُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَوَقَعَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ تُفَسِّرُ الْمَعْنَى، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ فَابْدَؤُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا» ، وَأَلْزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ مُسْلِمًا إِخْرَاجَهُ، قَالَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْلُغْ مُسْلِمًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْأَبِيُّ عَنْ شَيْخِهِ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ نَحْوَهُ، فَقَالَ - لَمَّا ذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ -: مَعْنَاهُ أَنَّ بِهِ مِنَ الشَّهْوَةِ إِلَى الطَّعَامِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحَقْنِ الَّذِي أُمِرَ بِإِزَالَتِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ بِالْحَقْنِ: وَمَنْ بَلَغَ بِهِ الْجُوعُ ثُمَّ حَضَرَ الطَّعَامُ وَالصَّلَاةُ، فَلْيَبْدَأْ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَرَّغُ بِذَلِكَ لِلصَّلَاةِ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ بَالُهُ مَشْغُولًا، بِحَيْثُ لَا يَدْرِي مَا صَلَّى يُعِيدُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقْلِقُهُ وَيُعَجِّلُهُ فَحسْنُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا تُتَوَّقُ نَفْسُهُ إِلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْغَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.

وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَالصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ يَخَافُ أَنْ يَشْغَلَهُ قَدَّمَ الطَّعَامَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ أَفْطَرَ مِنْهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ وَصَلَّى؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، انْتَهَى.

الثَّامِنُ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ تَعْجِيلِ السُّحُورِ، وَلَمْ يُذْكُرْ حُكْمَ السُّحُورِ، وَقَدْ عَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ فِي سُنَنِ الصَّوْمِ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السُّحُورَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، انْتَهَى.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: السُّحُورُ الْأَكْلُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّحُورَ وَاجِبٌ، انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ» .

التَّاسِعُ: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَوْلُهُ «فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» أَصْلُ الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةُ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَكَةُ الْقُوَّةَ عَلَى الصِّيَامِ، وَقَدْ جَاءَ كَذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الْآثَارِ، وَقَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْأَكْلِ عَلَى الْإِفْطَارِ، وَهُوَ مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي صَوْمِهَا، وَقَدْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ فِي زِيَادَةِ الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْفَضْلِ وَهَذَا مِنْهَا لِأَنَّهُ فِي السَّحَرِ، وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلٍ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَبُولِ الدُّعَاءِ وَالْعَمَلِ فِيهِ وَتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ مَا جَاءَ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّحَرِ مِنْ ذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَوْلَا الْقِيَامُ لِلسُّحُورِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ نَائِمًا عَنْهَا وَتَارِكًا لَهَا. وَتَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ لِيَخْرُجَ مِنِ الْخِلَافِ، وَالسُّحُورُ نَفْسُهُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، وَامْتِثَالُ النَّدْبِ طَاعَةٌ وَزِيَادَةٌ فِي الْعَمَلِ، انْتَهَى.

الْعَاشِرُ: قَالَ فِي الْإِكْمَالِ أَيْضًا: وَقَوْلُهُ «فَصْلٌ مَا بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ» صَوَابُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالرِّوَايَةُ فِيهِ بِضَمِّهَا، وَبِالضَّمِّ إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى: اللُّقْمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَبِالْفَتْحِ: الْأَكْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الْأَشْبَهُ هُنَا، وَالْفَصْلُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ: قَالَ التَّاذِلِيُّ: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ مَا فِي الرِّوَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ بِاللُّقْمَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا الطَّعَامُ الْكَثِيرُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015