فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، قِيلَ: بَيْنَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ وَوَضْعِهَا فِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(قُلْتُ) : وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ زَرُّوقٌ، أَعْنِي قَوْلَهُ: فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَالظَّمَأُ مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ وَهُوَ الْعَطَشُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ} [التوبة: 120] قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا - لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَتَوَهَّمَهُ مَمْدُودًا، قَالَ: وَرُوِّينَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدٍ وَابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَانَنِي فَصَمْتُ وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرْتُ» . قَالَ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنَا، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْنَا فَتَقْبَلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . وَأَمَّا حَدِيثُ: «لِلصَّائِمِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» ، فَقَالَ النَّوَوِيُّ: رُوِّينَا فِي كِتَابَيِ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لِدَعْوَةً مَا تُرَدُّ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِذَا أَفْطَرَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي» ، انْتَهَى.
زَادَ فِي التَّرْغِيبِ فِي رِوَايَةٍ: «أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي» . وَقَالَ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَرُوِّينَا فِي كِتَابَيِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتَهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الرِّوَايَةُ حَتَّى بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ.
(قُلْتُ) : ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَذَكَرَ فِيهِ رِوَايَةَ حِينَ بِالْمُثَنَّاةِ وَالنُّونِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ: قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ» الْفَرْحَةُ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِلَذَّةِ الْغِذَاءِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَبِخُلُوصِ الصَّوْمِ مِنَ الرَّفَثِ وَاللَّغْوِ عِنْدَ الْفُقَرَاءِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ بِمَا يَرَى مِنَ الثَّوَابِ، وَلَيْسَ هَذَا لِمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَكْثَرَ مِنَ التَّطَوُّعِ، انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ مِنَ التَّخْصِيصِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ الْبَاجِّيُّ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ هُوَ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَاعْتِقَادٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ عِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ لِأَمْرٍ عَارِضٍ، أَوِ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ عِنْدَ الْغُرُوبِ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ لِأَمْرٍ آخَرَ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ أَشْهَبُ: وَوَاسِعُ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ، وَتَأْخِيرِهِ لِلْحَاجَةِ تَنُوبُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَنَطُّعًا يَتَّقِي أَنْ لَا يُجْزِئَهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي أَنْ لَا يُؤَخَّرَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ اسْتِنَانًا وَتَدَيُّنًا، فَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا، كَذَلِكَ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ، انْتَهَى.
السَّادِسُ: قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: اخْتُلِفَ فِي التَّأْخِيرِ إِذَا أَرَادَ الْوِصَالَ، فَقِيلَ: جَائِزٌ، وَقِيل: لَا، وَكِلَاهُمَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ، وَاخْتَارَ جَوَازُهُ إِلَى التَّسْحِيرِ، وَكَرَاهِيَّتُهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْوِصَالَ وَلَوْ إِلَى السَّحَرِ، اللَّخْمِيُّ: هُوَ إِلَيْهِ مُبَاحٌ، لِلْحَدِيثِ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السُّحُورِ» ، انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ كَالْإِمْسَاكِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِ الْوِصَالِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ، ثُمَّ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ إِجَازَتُهُ، وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: اخْتُلِفَ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ، فَقِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِمْسَاكِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَقِيلَ: ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ، انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: إِنِ الْإِمْسَاكَ حَرَامٌ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ