الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَوْ بَعْدَهَا؟ قَالَ الْبَاجِّيُّ فِي الْمُنْتَقَى لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي شَرْحِ قَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْمَغْرِبُ إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ تَعْجِيلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهَا تَصَادُفُ النَّاسِ مُتَهَيِّئِينَ لَهَا وَرِفْقًا بِالصَّائِمِ الَّذِي شُرِعَ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بَعْدَ أَدَاءِ صِلَاتِهِ، انْتَهَى.

وَفِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنَ الْمُوَطَّأِ، مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، انْتَهَى.

وَفِي النَّوَادِرِ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ: وَلَا يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْفِطْرِ حَتَّى يَرَى النُّجُومَ، وَلَا بَأْسَ لِمَنْ رَأَى سَوَادَ اللَّيْلِ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ وَيُصَلَّى إِذَا رَأَى سَوَادَ اللَّيْلِ قَدْ طَلَعَ مِنْ مَوْضِعٍ يَطْلُعُ مِنْهُ الْفَجْرُ، تَنْبَعِثُ مِنْهُ الظُّلْمَةُ، انْتَهَى.

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» فَهَذَا الْحَدِيثُ يُخَالِفُ كَلَامَ الْبَاجِّيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْمُوَطَّأِ، إِلَّا أَنَّ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى الْفِطْرِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَكَلَامُ الْبَاجِّيِّ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعِشَاءُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَشْغَلُهُ عَنِ الصَّلَاةِ» وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِنَّهُ يُفْطِرُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَيُصَلِّي وَحِينَئِذٍ يَأْكُلُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بِالْمَاءِ، انْتَهَى.

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، «عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةِ مَاءٍ» ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْخَامِسِ لعبد الرحمن بن حرملة هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ عَلَى رُطَبَاتٍ أَوْ تَمَرَاتٍ أَوْ حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَعَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالشَّبِيبِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الصَّوْمِ: ابْتِدَاءُ الْفِطْرِ عَلَى التَّمْرِ أَوِ الْمَاءِ، وَقَالَ فِي الْقُرْطُبِيَّةِ:

مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ وَقْتُ الْفِطْرِ ... تَعْجِيلُهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّمْرِ

قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِهَا: مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ رِفْقًا بِالضُّعَفَاءِ وَاسْتِحْبَابًا لِلنَّفْسِ وَمُخَالَفَةً لِلْيَهُودِ، وَكَوْنُهُ بِالتَّمْرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحَلَاوَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ لِلْبَصَرِ مَا زَاغَ مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا حَدَّثَ بِهِ وَهْبٌّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ لِأَنَّهُ طَهُورٌ، انْتَهَى.

فَتَقْدِيمُ الْمَاءِ عَلَى التَّمْرِ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ: تَعْجِيلُهُ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّمْرِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْوَزْنِ، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَنَقَلَهُ عِزُّ الدِّينِ، وَنَقَلَهُ عَنِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرَيِّ، الْقَصْدُ أَنْ لَا يُدْخِلَ جَوْفَهُ شَيْئًا قَبْلَهُ، قَالَ: وَمَنْ بِمَكَّةَ اسْتَحَبَّ لَهُ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ، قَالَ: والحكمة في التمر أَنَّ الصَّوْمَ يُفَرِّقُ الْبَصَرَ وَالتَّمْرَ يَجْمَعُهُ، وَلِهَذَا قَالَ الرُّوْيَانِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ فَعَلَى حَلَاوَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَالْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنَ النَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ قَدْ كَثُرَتْ فِي أَيْدِي النَّاسِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ الرُّوْيَانِيُّ وَالْقَاضِي شَاذٌّ، وَالصَّوَابُ: التَّمْرُ ثُمَّ الْمَاءُ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْطِرَ عَلَى شَيْءٍ مَسَّتْهُ النَّارُ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثًا، انْتَهَى.

كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ: وَقَالَ الْجَزُولِيُّ: إِنْ كَانَ عِنْدَهُ حَلَالٌ وَمُتَشَابَهٌ أَفْطَرَ بِالْحَلَالِ وَلَا يُفْطِرُ بِالْمُتَشَابَهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعَمِائَةِ عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ، إِلَّا مَنِ اغْتَابَ مُسَلِّمًا، أَوْ آذَاهُ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ أَفْطَرَ عَلَى حَرَامٍ» ، انْتَهَى.

الثَّالِثُ: فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ صَمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ» ، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» . وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْقُرْطُبِيَّةِ: وَيَقُولُ عِنْدَ الْفِطْرِ: اللَّهُمَّ لَكَ صَمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015