وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيِّ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ أَيْضًا.

الثَّالِثُ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، قَالَ: «إِذَا كَانَ صَوْمُ يَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنَّ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَالرَّفَثُ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَالْفُحْشُ مِنَ الْقَوْلِ، وَخِطَابُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ، قَالَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ: وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْفُحْشُ وَرَدِيءُ الْكَلَامِ، انْتَهَى.

وَالصَّخَبُ: الصِّيَاحُ، وَاخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فليقل إني صائم» فَقِيلَ: إِنَّهُ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ وَيُسْمِعُ ذَلِكَ لِلَّذِي شَاتَمَهُ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ. وَقِيلَ: يَقُولُهُ بِقَلْبِهِ لِيَنْكَفَّ بِهِ عَنِ الْمُشَاتَمَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، انْتَهَى.

(قُلْتُ) : وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ: «فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَعْنِي أَنَّ الصِّيَامَ يَحْجِزُنِي عَنِ الرَّدِّ عَلَيْكَ، انْتَهَى.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَعْنَى شَاتَمَهُ أَظْهَرَ شَتْمَهُ مُتَعَرِّضًا لِمُشَاتَمَتِهِ. وَقَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّطَوُّعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُصَرِّحُ بِهِ وَلْيَقُلْ لِنَفْسِهِ: إِنِّي صَائِمٌ فَكَيْفَ أَقُولُ الرَّفَثُ؟ انْتَهَى.

وَانْظُرْ حَاشِيَةَ الْمُوَطَّأِ لِلْجَلَالِ السَّيُوطِيِّ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ لِلسَّنُوسِيِّ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَصَمْتُهُ كُلَّهُ» فَلَا أَدْرِي أَكْرَهَ التَّزْكِيَةِ، أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: إِنِّي صَائِمٌ مُعْتَذِرًا، وَلَا يَقُولُهُ مُتَحَدِّثًا وَلَا مُتَزَيِّنًا، انْتَهَى.

ص: (وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ) ش: قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: السَّحُورُ وَالْفَطُورُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا: اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَيُفْطَرُ عَلَيْهِ كَالسَّعُوطِ وَالْوَقُودِ، وَبِالضَّمِّ لِلْفِعْلِ، قَالَ ابْنُ الدَّفْعِ: وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الْفَتْحَ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ، انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: السَّحُورُ فِي سِينِهِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ. وَقَالَ الْأَبِيُّ: بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ، وَالصَّوَابُ: الْفَتْحُ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ، يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَسْحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ وَأَنْ يُؤَخِّرَ السُّحُورَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنَ الِاسْتِحْبَابِ صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ سَنَةً، فَقَالَ: وَمِنَ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ: قَالَ الْحَفِيدُ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَنِ الصَّوْمِ تَأْخِيرَ السُّحُورِ وَتَعْجِيلَ الْفِطْرِ، انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ سَنَةٌ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ مُسْتَحَبٌّ. وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: «مِنْ عَمَلِ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسُّحُورِ» . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: «أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ سُحُورِهِ وَدُخُولِهِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَدْرُ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً» ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَالْمُرَادُ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ وَعَدَمِ الشَّكِّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي الْغُرُوبِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ اتِّفَاقًا، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: وَإِذَا غَشِيَتْهُمُ الظُّلْمَةُ فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُوقِنُوا بِالْغُرُوبِ، انْتَهَى.

وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إِلَى الشَّكِّ فِي الْفَجْرِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ.

(تَنْبِيهَاتٌ)

الْأَوَّلُ: هَلِ الْمَطْلُوبُ تَعْجِيلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015