ثُمَّ خَافَ الْعَنَتَ، فَإِنَّهُ إِذَا أُبِيحَ لَهُ مَرَّةً فَقَدْ سَقَطَتْ يَمِينُهُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ، فَلْيُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ الَّتِي يُجَامِعُهَا كِتَابِيَّةً، أَوْ طَهُرَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، أَوْ صَغِيرَةً وَلَمْ تَكُنْ صَائِمَةً، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ص: (فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ) ش: يَعْنِي أَنَّ الْقَادِمَ مِنْ سَفَرِ قَصْرٍ نَهَارًا إِذَا بَيَّتَ الْإِفْطَارَ وَوَجَدَ زَوْجَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ حَيْضِهَا، فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَالَ عُذْرُهُ الْمُبِيحُ لَهُ الْفِطْرَ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ صَغِيرَةً وَلَمْ تَصُمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ، وَانْظُرْ إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَبَيَّتَتِ الصَّوْمَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ إِبْطَالُ صَوْمَتِهَا؟ وَإِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ كَبِيرَةً جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ طَهُرَتْ يَوْمَ قُدُومِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ نَصْرَانِيَّةً، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَائِمَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَجَدَهَا بِإِثْرِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَدِّيَةٌ بِتَرْكِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا: يَجُوزُ أَنْ يَطَأَهَا إِذَا كَانَتْ كَمَا طَهُرَتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَسْلِمَةً، وَلَا يَطَؤُهَا إِذَا كَانَتْ طَاهِرًا قَبْلَ قُدُومِهِ.
قَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: زَوْجَتُهُ- الْمُسْلِمَةُ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِالْحُكْمِ؛ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّقْيِيدُ بِالطُّهْرِ حِينَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ جَوَازُ وَطْئِهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّخْصِيصَ فِي قَوْلِهِ: طَهُرَتْ- دُونَ مَا قَبْلَهُ فَبَعِيدٌ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ، انْتَهَى.
ص: (وَكَفُّ لِسَانٍ) ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ، وَالْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا كَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَلَامِ الْفَاحِشِ فَوَاجِبٌ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ، وَيَتَأَكَّدُ وُجُوبُهُ فِي الصَّوْمِ وَلَكِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) :
الْأَوَّلُ: لَا يُقَالُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّوْمِ؛ إِذْ يَصِحُّ الصَّوْمُ بِدُونِهِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ كَامِلٍ، أَوْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِالْكَفِّ يَحْصُلُ كَمَالُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: صِحَّةُ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ الْكَفِّ لَا تَصِيرُهُ مُسْتَحَبًّا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وُجُوبِهِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِيٍّ وَغَيْرُهُ فِي شَرَحِ الرِّسَالَةِ: يَنْبَغِي هُنَا لِلْوُجُوبِ قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَغْلُظُ بِحَسْبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، انْتَهَى.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَنَصُّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ يَنْبَغِي عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّ كَفَّ اللِّسَانِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي فَسَادِ الصَّوْمِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
الثَّانِي: رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَمْسٌ يُفَطِّرْنَ الصَّائِمَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ» . ذَكَرُهُ فِي الْإِحْيَاءِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: رَوَاهُ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: قَالَ سُفْيَانُ: الْغِيبَةُ تُفْسِدُ الصَّوْمَ. وعن مجاهد خصلتان يفسدان الصوم الغيبة والكذب انْتَهَى.
قَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ سُفْيَانَ وَمُجَاهِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مُجَاهِدٍ: خَصْلَتَانِ مَنْ حَفِظَهُمَا سَلِمَ لَهُ صَوْمُهُ: الْغِيبَةُ، وَالْكَذِبُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. ثُمَّ نَقَلَ عَنِ السُّبْكِيِّ أَنَّ مُلَابَسَةَ الْمَعَاصِي تَمْنَعُ ثَوَابَ الصَّوْمِ إِجْمَاعًا، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. نَعَمْ إِنْ كَثُرَ تَوَجَّهَتِ الْمُقَالَةُ، انْتَهَى.
(قُلْتُ) : يَشْهَدُ لِمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ: «مَنْ لَمْ يَدَعِ الْخَنَا وَالْكَذِبَ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ،